بالدليل أنّه ليس بقادر لمعنى قديم ، فليس إلّا أن يكون قادرا لنفسه ، فيجب كونه قادرا في كل حال ، وإنّما تعلم أنّه كان قادرا فيما لم يزل لأنّه لو حصل قادرا بعد أن لم يكن لكانت الصفة جائزة عليه مؤدّية لمعنى محدث لأجله يقدر على حدّ ما ثبت في أحدنا ، فكان يلزم أن يكون قادرا بقدرة محدثة ، وهي لا تحدث إلّا وقد سبق كونه قادرا. ولا يتمّ كونه قادرا إلّا عند حدوث هذه القدرة ، فيقف كل واحد من الأمرين على صاحبه ويؤدّي إلى أن لا يحصل واحد منهما (ق ، ت ١ ، ١٠٦ ، ١٢)
ـ من حكم كونه (الله) قادرا لنفسه صحّة الاختراع وأن لا يتناهى مقدوره في الجنس والعدد. واستحالة المنع إلى ما شاكل ذلك ، فهذا لا بدّ من ثبوته له تعالى. وبالعكس من هذا حكم كونه قادرا بقدرة لأنّه لا بدّ من انحصار مقدوره جنسا وعددا. وأن يتعذّر عليه الاختراع ويستحيل ، وأن يصحّ المنع عليه. وأن لا بدّ من استعمال محل القدرة في الفعل أو في سببه إلى غير ذلك فكل هذا يجب نفيه عنه جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢٤)
ـ الذي يحصر المقدور هو القدرة. فأمّا القادر لنفسه فلا تتناهى مقدوراته بل القدرة متعلّقة أيضا بما لا يتناهى لتعلّقها بما يتعلّق به لذاتها. فكذلك القادر إذا تعلّق بالشيء لذاته. وهذا الأصل الذي بيّناه من كونه قادرا على ما لا يتناهى إذا أحكمته أمكنك إبطال مذاهب كثيرة به على ما ذكره في الكتاب (ق ، ت ١ ، ١٠٩ ، ٩)
ـ قد ذكرنا أنّه يعدّ في أحكام كونه قادرا لنفسه استحالة المنع عليه. والقول في ذلك بيّن لأنّه إذا صحّ كونه قادرا لنفسه وقادرا على ما لا يتناهى لم يتصوّر وقوع المنع فيه ، بل يجب في كل ما يقدر عليه صحّة ظهوره بالفعل. وبيان ذلك هو أنّ المنع لا يقع إلّا بكثرة الأفعال فيكون الفعل الذي يفعله المانع أكثر مما يفعله الممنوع ، وعلى هذا لا يتصوّر في المتساوي المقدور أن يمنع أحدهما صاحبه. وفي القادرين لأنفسهما أن يمنع كل واحد منهما صاحبه لأنّه لا قدر إلّا واحدهما يقدر على الزيادة فيه. وكذلك صاحبه فكيف يصير أحدهما ممنوعا والآخر مانعا؟ وبهذا يتوصّل إلى نفي ثان قادر لنفسه لأنّه يؤدّي إلى أن يتعذّر الفعل من دون منع أو وجه معقول. ويؤدّي إلى رفع ما عرفناه من صحّة أن يمنع أحد القادرين الآخر ، وإنّما يتصوّر وقوع التمانع بين القادرين بقدرة ، أو بين القادر لنفسه والقادر بقدرة ، وإن كان على كل حال يكون المانع هو القادر لنفسه دون القادر بقدرة. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان القديم تعالى لكونه قادر لنفسه يقدر في كل وقت على أن يفعل أزيد مما فعل حتى لا يقدر فعله بقدر لا يمكنه الزيادة عليه تعذّر تصوّر المنع فيه ، فوجب أن يكون كل ما قدر عليه يصحّ منه إيجاده (ق ، ت ١ ، ١١٠ ، ٢٥)
ليس من حكم كونه قادرا لنفسه أن يقدر على كل مقدور كما أنّ من حكمه أن يقدر على كل جنس وعلى ما لا نهاية له من كل جنس. وذلك لأنّه إنّما يدخل تحت صفة النفس في الوجوب ما يصحّ. فأمّا المستحيل فلا يدخل تحت الوجوب (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٦)
ـ إنّ حكم القادر لنفسه أقوى من حكم القادر بقدرة في أنّه لا ينحصر مقدوره في الجنس الواحد. فكذلك يجب أن لا ينحصر في الأجناس. ألا ترى أنّ أحدنا لمّا انحصر