يحتاج في وجوده إلى معنى آخر فيوصف القادر بأنّه يقدر على إيجاده على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه. وهذا مستمرّ فيما يصحّ تقديمه وتأخيره وفيما لا يصحّ ذلك فيه. فلهذا يوصف أحدنا اليوم بأنّه قادر على صوت يفعله غدا وإن استحال أن يفعل ذلك بعينه الآن. فإذا ثبتت هذه الجملة وجب أن يكون تعالى قادرا فيما لم يزل لحصول شرطه هذا لو أمكن أن نجعل صحّة وجود المقدور شرطا في كون القادر قادرا عليه. فكيف والمرجع بصحّة وجود المقدور هو إلى صحّة إيجاد القادر إيّاه ، لا أنّ له حكما سوى ذلك ، فكان من شرط كونه قادرا بصحّة وجود المقدور قد حصل الشيء شرطا في نفسه. وبهذا نفارق وجود المدرك لأنّه أمر منفصل عن كونه مدركا ، فثبت أنّه تعالى يجب كونه قادرا فيما لم يزل (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ١٥)
قادر كونه قادرا
ـ إنّ لكون القادر قادرا أو كون الحيّ حيّا حقيقة ينفصل بها من غيره ، فإذا علمنا أنّه مع ارتفاع الموانع وصحّة وجود الفعل يتعذّر عليه الفعل علمنا خروجه من كونه قادرا على الحقيقة. ولو جوّزنا ـ والحال هذه ـ أن يكون قادرا وإنّما غمرته الآفات فمنعته من الفعل لم نأمن كون الجماد قادرا ، بل تكون الأعراض قادرة ، وذلك يؤدّي إلى التباس حال القادر بغيره ، وإلى ألّا يكون لنا طريق نفصل به بين القادر وغيره (ق ، غ ١١ ، ٣٢٤ ، ١٥)
قادر لا بقدرة
ـ إذا علم أنّه محدث الأجسام وأنّه قديم فقد علم أنّه قادر لا بقدرة ، وإلّا لم يمكن أن يعلم أنّه محدث الأجسام وأنّه قديم. بيان ذلك هو أنّا نقول : إذا ثبت حدث الأجسام ، وثبت أنّ القدرة لا يمكن فعل الجسم بها ، وجب أن يكون محدثها هو القديم الذي لا يكون قادرا بقدرة وإليه تنتهي الحوادث أجمع (ن ، د ، ٤٦٥ ، ٧)
قادر لذاته
ـ من حق القادر لذاته أن يكون قادرا على جميع أجناس المقدورات ، وعلى جميع الوجوه التي يصحّ أن يقدر عليها (ق ، ش ، ٣٦٩ ، ١٧)
ـ إنّه تعالى إنّما يصحّ أن يخترع الفعل في غيره من غير سبب لأنّه قادر لذاته (ق ، غ ٩ ، ٨١ ، ٨)
ـ من حق القادر لذاته أنّه لا ينتهي إلى وقت إلّا ويصحّ أن يوجد فيه أضعاف ما أوجده من قبل.
فالقول بخروج جميع مقدوره إلى الوجود ينقض هذا الأصل ، ويخرجه من أن يكون قادرا (ن ، د ، ٢٦٨ ، ١٦)
قادر للذات
ـ أمّا القادر للذات فيجب أن يجوز التقديم والتأخير في مقدوراته (ن ، د ، ٢٧٠ ، ٢)
قادر لنفسه
ـ قد ذكر" أبو هاشم" أنّه إذا عرف كونه قادرا فيما لم يزل ثم عرف أنّ التغيير غير جائز عليه عرف بالعلم الأوّل أنّه قادر الآن وذلك جائز على طريقته. فأمّا على مذهبنا فلا بدّ من علم متحدّد نعلم به أنّه تعالى قادر في هذه الأحوال أيضا. وهذه الجملة تبنى على أنّه تعالى كان قادرا فيما لم يزل. فإذا صحّ ذلك وثبت عندنا