الصفة ، والاختصاص إنما يكون بطريقة الحلول ، والحلول في المعدوم محال. ولا يجوز أن يقال إنه يكون قادرا بقدرة معدومة ، لأنّ القدرة المعدومة لا تعلّق لها بالقادر ، ولأنّه لا اختصاص لها ببعض المعدومات دون البعض ، فكان يجب في المعدومات أجمع أن تكون اختصاص قادره ـ وقد علمنا أن في العدم عرضا كما أنّ فيه جوهرا. ولأنّ القدرة المعدومة لا يمكن فعل الجسم بها ، لأن الفعل إنما يمكن بالقدرة على أحد الوجهين : إمّا مباشرة وإمّا توليدا ، وكلا الوجهين لا يمكن به فعل الجسم. والقدرة لا يمكن الفعل بها إلا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، وذلك لا يتأتى في المعدوم. فإذا لم يجز أن يكون قادرا بقدرة وجب أن يكون قادرا لنفسه ، ولو كان قادرا لنفسه لوجب في حال الوجود أيضا أن يكون كذلك ، لأنّ الوجود لا يجوز أن يكون محيلا لهذه الصفة ، كيف وهو مصحّح للأحكام! ولو كان قادرا لنفسه في حال الوجود لكان يجب أن يكون كل جزء منه قادرا ، لأنّ صفة النفس ترجع إلى الأجزاء والأبعاض ، فيجب في الجملة أن تكون قادرين كثيرين ضمّ بعضها إلى بعض ، فلا يقع الفعل بداع واحد وقصد واحد ، وكان يجب أن يصحّ التمانع بين أجزاء الجملة ، وكان يجب في كل جزء منها أن يصحّ فعل مثله ، لأنّ قضية العقل لا تفصل في ذلك (ن ، د ، ٣٦٥ ، ١٤)
قادر في الغائب
ـ إنّما صحّ في هؤلاء القادرين أن تتّفق مقدوراتهم لكونهم قادرين بقدر ، لا لشيء آخر ، حتى إنّه لو كان فيهم من هو قادر لنفسه لكان يجب أن يصحّ من ذلك القادر ما لا يصحّ من غيره الذي هو قادر بقدرة ، حتى إنّهم كلّهم لو كانوا قادرين لأنفسهم لكان يجب أن تتساوى مقدوراتهم في التجانس. ولو كان القادر في الغائب قادرا بقدرة لكان يجب أن لا يصحّ منه إلّا كما يصحّ من هؤلاء. فحيث وقع الافتراق الآن فإنّما هو لأجل أنّ القديم تعالى قادر لنفسه ، وهؤلاء قادرون بقدرة ، والقدر تقتضي القصر والحصر ، سواء كان في الجنس أو في العدد (ن ، د ، ٣٨٧ ، ١١)
قادر في كونه قادرا على الشيء
ـ إنّ القادر في كونه قادرا على الشيء إنّما يختصّ بوقت على أحد وجهين. إمّا لأنّ المقدور في نفسه لا يصحّ وجوده إلّا في وقت واحد ، وإمّا لأنّ كونه قادرا يرجع إلى معنى لا يصحّ أن يتعلّق إلّا بمقدور واحد في وقت واحد في حيّز واحد. وقد ثبت أنّ القديم ـ تعالى ـ يقدر في كل وقت على ما لا نهاية له ، وأنّ معنى الحصر في مقدوراته لا يصحّ ، وثبت أنّ الجوهر في نفسه يصحّ وجوده الأوقات الكثيرة فيجب ألّا يختصّ في كونه قادرا على الجوهر بوقت دون وقت (ق ، غ ١١ ، ٤٥٣ ، ٦)
قادر فيما لم يزل
ـ مرادنا بقولنا إنّها حالة لصحّة الفعل أنّها حالة لصحّة إيقاع الفعل من القادر في المستقبل على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه ، لا على أنّه نوجده في كل حال. فصار ذلك كوصفنا إيّاه بالقدرة على الضدّين لأنّه يقدر عليهما على أن يوجدا على الوجه الذي يصحّ وجودهما. ولهذا قد يحتاج الفعل إلى محلّ مخصوص مبنى أو