لأن سيف الدولة «مقصد الوفود ، وكعبة الجود ، وفارس الإسلام ، وحامل لواء الجهاد ، وكان أديبا ، مليح النظم ، ويقال : ما اجتمع بباب ملك من الشعراء ما اجتمع ببابه ، وكان يقول : عطاء الشعراء من فرائض الأمراء» (١).
نظرا لهذا كله حاول ابن خالويه أن يكون هو المقدم من بين العلماء والشعراء فى مجلس الأمير وهو يعلم أنه لن يخضّ بهذه المرتبة إلا باطلاع واسع ، وعلم جم ، وبلاغه لسان ، وقوة جنان ، وتحصيل وافر ، وبحر من العلم زاخر ، ليعوّض به مافاته من شرف النّسب.
روى العميدى (٢) وغيره : «أن ابن خالويه وأبا الطيب اللغوى اجتمعا فى مجلس سيف الدولة ـ وكان المتنبي موجودا فى ذلك المجلس ـ فتذاكر ابن خالويه وأبو الطيب اللغوى بمسألة فى اللغة والمتنبي ساكت ، فقال سيف الدولة : ألا تتكلم يا أبا الطيب ـ يريد المتنبي ـ فذكر المتنبي ما قوّى حجة أبى الطيب اللغوى وضعف قول ابن خالويه فغضب ابن خالويه وأخرج من كمه مفتاحا حديديا فقال له المتنبى : اسكت ويحك أنت فارسي وأصلك خوزي فمالك وللعربية ، فضربه وسال دمه».
وذكر السّيوطى عن أبي على الصّقلّي (٣) قال : «كنت فى مجلس ابن خالويه فوردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة فاضطرب لها ، ودخل خزانته واخرج منها كتب اللغة وفرقها فى أصحابه يفتشونها ، فتركته وذهبت إلى أبي الطيب اللّغوى وهو جالس وقد وردت عليه تلك المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة فأجاب به ولم يغيّره قدرة على الجواب».
ولابن خالويه قصص وحكايات مع أبي الطيب اللّغوي ، وكان يسميه (قرموطة الكبرثل) (٤) أي : دحرجة الجعل ؛ لأنه كان قصيرا.
__________________
(١) سير أعلام النبلاء للذّهبى : ١٦ / ١٨٨.
(٢) الصبح المنبي : ٦٤.
(٣) تحفة الأديب : ١ / ١٧٢ ، ويراجع رسالة ابن القارح : ٢٧٦. وبغية الطّلب : ٤٥٣١.
(٤) رسالة الغفران : ٥٥٠.