وكان ـ رحمهالله تعالى ـ في ابتداء أمره وأوائل سنّه فطنا ذكيّا تقيّا نقيّا ، حافظا للصلوات ، مجتنبا عن الشهوات والشبهات ، مشتغلا بالبحث والدرس والاستفادة في عنفوان شبابه ، مصروفا همته في تحصيل العلوم والمعارف في ذهابه وإيابه ، ضنينا بعمره الشّريف من أن يصرف في ملهيات الاباطيل ، بخيلا بأيّامه المنيفة من أن يشتغل بالّلهو والتعطيل.
وقد فرغ من النحو والصرف والمعاني والبيان وسائر المقدمات قبل بلوغه إلى حد البلوغ والتكليف ، واشتغل عند ذلك بالفقه والاصول عند والدي العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ من غير عطل ومطل وتسويف.
وكان من شدّة ذكائه وفطنته وجودة فهمه وجربزته جدليّا عيون الطلبة ووجوه المشتغلين يهابون مباحثته مع صغر سنه ، وأعيان العلماء والمحصلين يعترفون بسموّ قدره وجلالة منزلته.
ثمّ ذهب لأجل التكميل إلى النجف الاشرف ـ على ساكنه آلاف التحيّة والشرف ـ ، فظلّ هناك سنينا عديدة مشتغلا عند علمائه بالتحصيل ، مثمّرا عن ذيل الجدّ والاجتهاد في ذاك النادي للتكميل ، حتّى بلغ من العلم غاية قصواه وارتقى إلى سماء الفضل نهاية منتهاه. فأتقن من الاصول قوانين أصوله ومعالم فصوله وزبدة فوائده ونخبة عوائده ، وحاز من الفقه والحديث غرر درره وجواهر زهره ومنتهى نهاية تهذيبه ومسالك تخطئته وتصويبه بما حصل به تبصرة كافية لعباده وذخيرة شافية لمعاده ، حتى أذعن بفضله جميع العلماء الاعيان ، وصار في دوحة العلم والكمال مشارا إليه بالبنان ، وانتشر صيت فضيلته في جميع الاقطار ، واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار.
وتلمّذ في النجف الاشرف عند جماعة من العلماء الاخيار والفقهاء الابرار.
فمنهم : الشيخ العالم الفاضل ، رئيس المجتهدين وأوحد الاصوليين وفريد المتكلّمين ، حبر الامة وقدوة الائمة ، شيخ الطائفة الحقة ورئيس الفرقة المحقة ،