والوفاء ، قال : «سألت عن جنابه ـ قدس الله أرواحه الشريفة ـ يوما من الايّام عمّا رأى برأي العيان وحقيقة الوجدان من المقامات والكرامات في أيّام اشتغاله بالمجاهدة والرياضات ، فذكر لي ـ رضي الله عنه ـ بعد إنكار شديد وإصرار أكيد أمرين :
أولهما ، أنّه كان في ليال عديدة يظهر لي نور مشرق أراه برأي العين يستضاء منه الظلام ، وأبصر به كلّ ما احتجب عن عيون الانام ، واطالع به في الكتاب في ليل داج من غير حاجة إلى الضوء والسراج.
وثانيهما ، أنه ربّما يشتد علي ولع الجوع في بعض أوان الاشتغال بالرياضة والمجاهدة ، فيأتيني من الغيب أنواع الاطعمة وصنوف الاشربة ، فكنت أشربها وآكلها وأتناول منها على قدر الكفاية بما يرفع الجوع عنّي مدّة مديدة ، بل أيّاما عديدة.»
ولعمري صدق فيما قال ، وهذا قليل بالنسبة إلى مقامات ذاك الحبر الزاهد المفضال ، والله العالم بحقيقة الحال.
وكان ـ رحمهالله تعالى ـ في أواخر عمره وأوان انقضاء دهره برا رؤفا ، ضحاكا عطوفا ، صاحبا رفيقا ، وأخا شفيقا ؛ يستأنس بحضرته كلّ أنيس ، ولا يشبع من محادثته ومجالسته الصاحب والجليس.
وكنت في حضرته بعض الاسفار في طريق زيارة الأئمّة الاطهار ، فكنت أرى منه من حسن الصحبة وصفاء المحبة ، بحيث كان يخدمني ويخدم من معي من الاصحاب بأنواع الخدمات ويتحمّل صنوف المشاقّ من حمل الاثقال وتكفّل الزحمات ، بل كان يشارك الخدّام فيما يلزمهم من الامور في كمال الوجد والسرور.
وكان ـ رضي الله عنه ـ كثير المعونة ، قليل المؤنة ، يعجبه من اللّباس ما خشن ومن الطعام ما جشب ، ويؤثر بغذائه وعشائه إلى الفقراء والايتام ، ويقنع بقليل شيء يسدّ به الجوع في اللّيالي والايّام ، يصرف ما زاد عن مؤنته إلى الفقراء ، و