قال تعالى : (الرَّحْمنِ) [الفاتحة : ٣] في الظاهر ، فيعمّ رحمته الكافر ، والأعضاء والآفاق ، فإن كل ذلك داخل تحت حيطة الاسم الظاهر.
قال تعالى : (الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ٣] في الباطن ، فيعمّ رحمته المؤمن والقوى والأنفس ، كما يعمّهم الرحمة الرحمانية ، فللكافر ظاهر دون باطن ؛ لأن لا آخرة له ، فإن العاقبة للمتقين ، وللمؤمن ظاهر وباطن جميعا فالظاهر مع الباطن أقوى من الظاهر بلا باطن ؛ لأن الظاهر بلا باطن محصور كالدنيا ؛ لانتهائها دون الظاهر مع الباطن ؛ كالآخرة لعدم نهايتها.
وإنما أدخلنا الآخرة في الباطن ؛ لأنها قلب الدنيا ؛ والقلب باطن بالنسبة إلى القلب ، فكما ينتهي حكم الدنيا ، ويظهر الآخرة على صورتها ؛ فيكون الدنيا باطنة ، والآخرة ظاهر ؛ فكذا يظهر القلب في الآخرة على صورة القالب ، فيكون القالب باطنا ، والقلب ظاهرا ، وبه يصحّ رؤية الله تعالى كما يصحّ ذلك في الدنيا بالبصيرة ، فانظر إلى هذا ، وكن على بصيرة من الأمر ، فإن الأمر ليس كما يزعمه المنكرون من
__________________
ـ كمن في الجمع في إثبات جميع أفراد الحمد من حيث الخلق لله لا غير ، وكمن في جمع الجمع من حيث إثبات الحمد لغيره تعالى أيضا.
وفي الحقيقة لا كمال إلا كماله ، ولا مظهر له إلا هو جمعا أو فرقا ، فهو الحامد في كلّ مرتبة من مراتب الإطلاق والتقيّد ، وهو المحمود لكلّ فضيلة لا حامد سواه ولا يحمد أحد إلا إياه.
واعلم أن هذا الحمد على لسان الحقيقة إشارة إلى حمده الأزلي نفسه بنفسه ؛ لأن كل موجود ممكن إشارة إلى ما كان في الأزل في باطن علمه تعالى ، وهو شامل للشكر والمدح أيضا ، فهو الشاكر والمداح أيضا.
وقال صاحب «مرآة الأرواح» : حمد الله تعالى ذاته في الأزل بالوحدانية ، وصفاته بالكمالية وشكر الذات على نعمة الوجود ، والصفات على نعمة بذل الوجود بالجود ، ومدح الذات بنفي جميع الذوات في الوجود ، والصفات على بذل الأوصاف لكلّ ممكن وموجود ، وأفنى بها فيها أي : في صفاتها ، وهذا الحمد وإن كان مطلقا باعتبار إضافته إلى حضرة اسم هو أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية وهو الله إلا أن حال الحامد يقيّده بحضرة خاصة من حضرات الأسماء الإلهية ؛ إذ الحمد لا يكون إلا من تلك الحضرة الخاصة.