المعتزلة وغيرهم ، والله رقيب شهيد.
ومن العجائب في هذا المقام أن الكافر باطن المؤمن ؛ لأن باطن المؤمن مظهر الجلال (١) ، كما أن ظاهره مظهر الجمال (٢) ، فللمؤمن رحمة لظاهره وباطنه في الدنيا والآخرة ، فالكافر لا يقنط من رحمة ربه إلا أن الرحمة له في صورة النعيم في الدنيا كما دلّ عليه قوله : «الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر» (٣).
وفي صورة الجحيم في الآخرة كما دلّ عليه قوله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) [النبأ : ٢٣] : أي في العذاب في تلك المدة ؛ وهو مذهب أهل الحقائق ، وله في القرآن شواهد أخر لا تذكر هنا ، فظن خير ، ولا تسأل عن الخير ، والله قادر على أن ينبت جرجيرا في قعر النار ، وإن كان ذلك الجرجير ليس من جنس ما ينبت في قعر الجنة ؛ إذ ليس في النار نعيم ، فاعرف هذه الدقيقة ، وكن مع أهل الحقيقة.
__________________
(١) إن الجلال حضرة لائقة بالمشاهدة لأنه اسم ظهر الله به مخصوصا بالثنوية وهو تمكين اسم الجميل فتظهر عليه صفة في حال الناظر والمنظور ليحصل له هيبة وخشوع مع محبة فالجميل للمحبة ، فلما رفع المحب إلى مقام أعلى من موطن المحبة الذي هو الظاهر. فازداد الاسم صلة بغير زوال عينه ، ولما كانت هذه الصفة لائقة بالمشاهدة وهي الجلال خرج الشاهد في شهوده من مقام إلى مقام لأنه لا يتغير عليه صفة إلا بخروجه من محله في شهود واحد ، فالجلال مختصة بالله دون الجميل وغيره لكونها تنشأ عن التعظيم وكل تعظيم ناشئ عن عظمة الله تعالى ، وإذا حصل للشاهد شهودا في خلع واحد يكون هذا الشهود أشد تمكينا من الشهود الواحد ، والتمكين عبارة عن الاستعلاء لكن الاستعلاء على ضربين : استعلاء وصف واستعلاء معنى ، فالعارف الكامل له استعلاء الوصف ويتعالى عن استعلاء المعنى إذ استعلاء المعنى هو على بني الجنس بشرط الاستقلال لجهة دون جهة ، والعارف لا جنس له ولا حصر فيحل عن هذا المقام المعنوي ، ولما كان هذا العارف متصفا بالاستعلاء اتصافا فأخرج من مقام الشهود إلى مقام الجلال.
(٢) إن الجمال بعد الأرواح تنزل مناسب بحيث ذكر أرواحا متعددة والتعدد لائق بالجمال لأن الله تعالى لما أوجد الخلق متكثرا متمايزا أظهر بالجميل لئلا يقع النفور من البعض عن البعض ، وكذلك في عالم الأرواح ، فلما أدرك هذا الشاهد رضوان الله عليه أرواحا متعددة لحظ الجمال الناشئ بينهم لعدم النفور وهذه القابلية في هذا المحل قد كانت شديدة الصقال ، والناظر فيها نافذ النظر حتى شهده صورة الموصوف والأوصاف ، لأن الجمال صفة خافية وهمية فلا يدركها إلا من اتصف في حال شهوده بهذه الأوصاف.
(٣) رواه مسلم (٤ / ٢٢٧٢).