فإن مذهبهم ليس بمخالف لمذهب أهل الشريعة ، وإن كان أهل الرسوم يسيئون الظن بهم ؛ لعدم وقوفهم على الحقائق ، ولنا في هذا المقام كلام عريض لا يقتضي المقام استيفاؤه ، واعتقادنا على أن أهل النار مخلّدون فيها ، وليس لهم نعيم كنعيم أهل الجنة من أكل ، وشرب ، ولباس ونكاح ، ونحو ذلك ، فهم كما قال الله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦] الآية.
قال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤].
دلّ نداء على أن اليوم في الأصل كان يوما بلا ليل ، ثم ظهر الليل بحسب الأجرام النيّرة وغروبها ، وكذا هو يوم واحد في الفرع بلا ليل ؛ لأن الآخرة لا ليل لها.
وفيه إشارة إلى أن الدنيا والآخرة ملك لله تعالى ليس لغيره في ذلك الملك يد إلا بطريق الخلافة والعارية ، فإن الدين المجازاة ، وهو جارية في الدّارين ، فهو تعالى مالك يوم الدنيا ، ويوم الآخرة ، ومالك المجازاة فيهما ، فظهر إن قيامة العارفين دائمة ؛ لكونهم مع الله تعالى في كل نفس من الأنفاس ، ومحاسبون أنفسهم في كل لحظة من لحظات ، فهم مملوكون لله تعالى ؛ لأنهم أحرار عمّا سواه تعالى ، وقائمون لربهم بالخدمة في كل حين.
قال عزوجل : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥].
أراد بالعبادة المبنية على التوحيد ، فإن العبادة بلا توحيد عبادة المشركين ، فلا تعود إلى الله ، وإنما تعود إلى الآلهة الذين اتّخذوها معبودين من دون الله ، دلّ على هذا تقديم المعمول الدال على القصر ، فإذا كانت العبادة مخصوصة به تعالى ؛ كانت الاستعانة أيضا كذلك ، إذ لا يستعين المرء إلا بمعبوده].
قال تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] : أي ثبّتنا على صراط تخصيص العبادة والاستعانة بك.
قال تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] في الأزل ، فكانوا على شكر النعمة في جانب الأبد.
قال تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] ؛ هم الذين