استعانوا بغير الله ، ولمّا كان أثر الغضب أشدّ من أثر الضلال ؛ قدّمه عليه.
وفيه إشارة إلى أن غاية الأمر بالنسبة إلى المستعين بغير الله هو الحيرة ؛ إذ لا يتم ولو قاسى كل الشدائد ، وإنما يتم منه إذا لم يكن ذلك الغير غير الحسب لشهوده الحق في كل مظهر من المظاهر.
وإليه الإشارة بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) [فاطر : ١٥](١).
__________________
(١) فائدة : قال سيدي أبو المواهب الشاذلي قدس الله سره في قوانين الحكم : قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) [فاطر : ١٥].
تحقيق : حقيقة الفقر في ظاهر الطريقة غير ما هو باطن الحقيقة ، فالظاهر فقر الزهاد من الأعراض الدنيوية ، والباطن فقر الأفراد من الأغراض الأخروية شغلا بالله عما سواه لمن شهد ذلك ورآه.
تدقيق : تفاخر الغني مع الفقير.
فقال الغني : أنا وصف الرب الكبير ، فما أنت أيها الحقير.
فقال الفقير : لو لا وصفي لما تميّز وصفك ، ولو لا تواضعي ما رفع قدرك ، فأنا وصفي وسم بذلّ العبودية ، وأنت وصفك نازع الربوبية ، ومن نازع قصم ، ومن سلّم سلم.
تحقيق : التبس حال الفقير على غير النبيه ، فقال : الفقير غير الفقيه ، وما علم أن الراء هي الهاء.
إنّ الفقير هو الفقيه وإنما |
|
راء الفقير تجمعت أطرافها |
تدقيق : الفقير الفقيه من حطّ حمل الرحال على أعتاب الرجال ، حتى أرضعته طريّ لبن الصدور ، وأغنته عن قديد ميت السطور.
فانتصح يا فقيه القال ، واسمع يا فقير الحال ، وافن بالله عن الرسوم ، واخرج عن كل معلوم.
يا فقيه الجدال ، هذا الجدّ آل أدخل حان أخيارنا ، نصيّرك من أحبارنا ، ونسقيك صافي الشراب بعد نقيع السراب.
يا فقيه النقل ، يا عقول العقل ، ستر عنك نور الكشف حجاب أنيّتك العقلية ، والذوق غيّر طعمه عندك مرارة العلوم النقليه.
يا فقيه الاسم دون المسمّى الغلط أوجبه تشابه الأسماء لو عرفت معنى الفقير والفقيه كنت الحاذق النبيه.
الفقيه من فقه عن الله ، وفنى به عمن سواه ، فلو كنت بهذا الوصف كنت الفقير صدقا ، والفقيه عند الله حقّا.
تحقيق : فضّل قوم الغني على الفقر ، وعكس آخرون الأمر ، والحق أن غنى النفس بالأعراض البشرية لا يخرجها عن افتقار صفاتها الذاتية.
تدقيق : من ادّعى الغنى وقع في العنا ، بخلاف من أظهر الفقر ؛ فإنه خلص من الأمر.