__________________
ـ الله فأدبك بتوحيده على بساط تفريده فإن لم ترد بك رؤية فضله فيما جلا لك من لطائف رحمته وزينك من طاعته بتخصيص محبته على بساط مودته ، فإن نزلت عن هذه الدرجة ولم تكن هناك ، فأدبك رؤية فضله إذ سترك فيما اقترفت من معصيته ولم يكشف سترك لأحد من خلقه فإن صرفت عن هذا الباب وذكرت معصيتك ولم تذكر ما تقدم من الآداب الثلاثة فقم بأدب الدعاء في التوبة منها أو من مثلها بطلب المغفرة لها بحسب ما يطلبه الجاني المحاط به هذا في جانب المكروه في الشرع وأما إذا ورد عليك خاطر من طاعته تقدمت وذكرت من أفادك فلا تقرر عينك بها بل بمنشئها ، فإذا قرت عينك بغير فقد سقطت عن درجة التحقيق فإن لم تكن في هذه المنزلة فكن في التي تليها وهو أن تشهد عظم فضل الله تعالى أن جعلك من أهلها وميزانها أن ترزق خيرا منها بل من علامتها الدالة على صحتها وإن لم تتبوأها وبوئت فيما دونها فأدبك تدقيق النظر في تلك الطاعة هل هي هي وأنت سالم من المطالبة فيها أم هي بعكس ذلك وأنت مأخوذ بها نعوذ بالله من حسنات تعود سيئات (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)[الزمر : ٤٧] فإن نزلت عن هذه الدرجة إلى غيرها فأدبك طلب النجاة منها بحسنها وسيئها وليكن هروبك من حسناتك أكثر من هروبك من سيئاتك إن أردت أن تكون من الصالحين.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : إذا أردت أن يكون لك نصيب مما لأولياء الله تعالى فعليك برفض الناس جملة إلى من يدلك على الله بإشارة صادقة أو بأعمال ثابتة لا ينقضها كتاب ولا سنة وأعرض عن الدنيا بالكلية ولا تكن مما يعرض عنها ليعطى شيئا على ذلك بل كن في ذلك عبدا لله أمرك أن ترفض عدوه ، فإن أتيت بهاتين الخصلتين الإعراض عن الدنيا والزهد في الناس فأقم مع الله بالمراقبة والتزم التوبة بالرعاية والاستغفار بالإنابة والخضوع للأحكام بالإستقامة ، وتفسير هذه الأربعة أن تقوم عبدا لله فيما تأتي وتذر فتراقب قلبك ألا يرى في المملكة شيئا لغيره ، فإن أبيت بها نادتك هواتف الحق بأنوار العز إنك قد عميت عن طريق الرشد من أين لك القيام مع الله بالمراقبة وأنت تسمع : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)[الأحزاب : ٥٣] فهنالك يدركك من الحياء ما يحملك على التوبة مما ظننت به أنه قربة فتلزم بالتوبة والرعاية لقلبك أن لا تشهد ذلك منك بحال فتعود إلى ما خرجت عنه وإن صحت هذه منك نادتك الهواتف أيضا من قبل الحق أليست التوبة منه بدء والإنابة تتبعها منه واشتغالك بما هو وصف لك حجاب عن مرادك فهنالك تنظر أوصافك ، فتستعيذ بالله منها وتأخذ في الاستغفار والإنابة والاستغفار طلب الستر من أوصافك بالرجوع إلى أوصافه ، فإن كنت بهذه الصفة أعني الاستغفار والإنابة ناداك من قريب اخضع لأحكامي ودع عنك منازعتي واستقم مع إرادتي برفض إرادتك ، وإنما هي ربوبية تولت عبودية فكن عبدا مملوكا لا تقدر على شئ فمتى رأيت منك قدرة وكلتك إليها وأنا بكل شئ عليم ، وإن صح لك هذا الباب ولزمته أشرفت من هناك على أسرار لا تكاد تسمع من أحد من العالمين.