__________________
ـ باطنا إلا بباطنيته ، فإن تنبهت لمؤل الأول نظرت لما تأول فيما تأوله ، فإن صدر عليك خاطر من محبوب يوافق النفس أو مكروه لا يلائمها مما لا يحرمه الشرع فانظر لما يخلقه الله فيك بآثار ما يخطر ببالك ، فإن وجدت تنبيها على الله فعليك بالتحقيق ، فذلك أدب الوقت عليك ولا ترجع إلى غيره ، فإن لم تجد السبيل إلى التحقيق به فعرس بين يديه فهو أدب الوقت عليك ومهما رجعت إلى غيره فقد أخطأت سبيلك فإن لم يكن ذلك منك فعليك بالتوكل والرضا والتسليم فإن لم تجد السبيل إليه فعليك بالدعاء في جلب المنافع ودفع المضار بشرط الاستسلام والتفويض وأحذرك من الاختيار فإنه شر عند ذوي البصائر فإذن هي أربعة آداب أدب التحقيق وأدب التعريس وأدب التوكل وأدب الدعاء ، فمن تحقق به حفظ منه ومن عرس عنده كفي من غيره ومن توكل عليه كفي من اختيار نفسه باختيار ربه ومن دعاه بشرط الإقبال والمحبة أجابه إن شاء فيما يصلح له أو منعه إن شاء فيما لا يصلح له.
ولكل أدب بساط البساط الأول : بساط التحقيق إذا ورد عليك خاطر من غيره وكشف لك عن صفاته فكن هنالك بسرك وحرام عليك أن تشهد غيره.
البساط الثاني : بساط التعريس إذا ورد عليك خاطر من غيره وكشف عن أفعاله فعرس هناك بسرك وحرام عليك أن تشهد غير صفاته شاهدا أو مشهودا وفي الأول فناء الشاهد وبقاء المشهود.
البساط الثالث : بساط التوكل إذا ورد عليك خاطر من غيره ليس مما تقدم ذكره من محبوب أو مكروه وكشف لك عن عيوبك جلست على بساط محبته متوكلا عليه راضيا بما يبدو لك من آثار فعله من أنوار حجبه.
البساط الرابع بساط الدعاء فإن ورد عليك خاطر من غيره وكشف لك عن فقرك إليه فقد دلك على غناك فاتخذ الفقر بساطا فاحذر أن تنزل عن هذه الدرجة إلى غيرها فتقع في مكر الله من حيث لا تعلم وأقل ما يكون منك إذا تنزلت عنها أن ترجع إلى نفسك مدبرا لها ومختارا وأشرقت أحوالك ولا حال لك أن تحملها على الجد والاجتهاد إما في ظاهرك أو في باطنك طمعا أن تدفع بذلك عن نفسك وما أسوأ حالك إذا كابدت أن تدفع عنها ما أراد الله أن يدفعه عنك فكيف إذا نازعته فيما لم يرد دفعه عنك وأقل ما في هذا الباب دعاوى الشرك ، فإنك قد غلبت وما غلبت فإن كنت غالبا فكن حيث شئت ولن تكون حيث شئت أبدا فدلّ اجتهادك على عظيم جهلك بأفعال الله وما أقبح عابدا جاهلا أو عالما فاسقا فما أدري بأي الموضعين أصفك بالجهل أم بالفسق أم بهما جميعا نعوذ بالله من تعطيل النفس عن المجاهدات ومن خلو القلب عن المشاهدات إذ التعطيل ينفي الشرع والخلو ينفي التوحيد وحاكم الشرع قد جاء بهما جمعا فأدرج بهما جميعا عن منازعة ربك تكن موحدا واعمل بأركان الشرع تكن سنيا واجمع بينهما بعين التأليف تكن محققا : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣] ثم إن خطر لك أيضا في مراقبتك خاطر من مكروه في الشرع أو محبوب فيه مما قد سلف منك فانظر ما تذكر به وتنبه وإن ذكرت