النبي صلىاللهعليهوسلم حق ثابت بحيث لزم الإقبال إليه بالوجه الباطني ، والحق واحد في البين ، وإنما التعدّد باعتبار الظاهر ، والباطن ، وهو لا ينافي الاتحاد في الحقيقة ؛ لأن العين واحدة.
ولذا قال : هو الأول ؛ فجعل الكعبة أول بيت وضع للناس ، وهو الآخر ؛ فجعل التوجه إليها آخر التوجهات ، وهو الظاهر ؛ فجعل الكعبة بحيث يراها الأحباب والأعداء ، وهو الباطن ؛ فجعل السرّ الذي استمئنت عليه بحيث لا يراها إلا أولوا الأبصار ؛ ولذا قال : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨] : أي لأن الأعمى لا يبصر في الحقيقة ، وهم عمي القلوب ، (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] ، ولو كان العمى الظاهر حجابا عن الحق ؛ لكان منعه عن مجلس أهل الحق واجبا ، وقد عاتب الله تعالى فيه نبيه حيث قال تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) [عبس : ١ ، ٢].
وقوله عزوجل : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة : ١٤٩].
إشارة إلى أن الله تعالى مع عبده في الصورة والمعنى ؛ لأن كلا منهما مضاف إليه تعالى ، فعمل الصورة هو التوجه الصوري إلى القبلة الصورية ، وعمل المعنى هو التوجه إلى القبلة الحقيقية ، ونفي الغفلة عنه تعالى إرشاد إلى مقام المراقبة (١) الذي هو
__________________
(١) قال ابن عياد : قال سيدنا الشاذلي رضي الله عنه : أيها السالك بطريق الآخرة بتحصيل ما أمرت به في ظاهرك ، فإذا فعلت ذلك فاجلس على بساط المراقبة وخذ بتخليص باطنك حتى لا يبقى فيه شئ مما عنه نهاك وأعطي الجد حقه ، وأقلل النظر إلى ظاهرك إن أردت فتح باطنك لأسرار ملكوت ربك فما ورد عليك من خطرات قصدك عن مرادك فاعلم أولا قرب ربك منك علما تباشر قلبك بتكرار النظر في جلب منافعك ودفع مضارك وانظر هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض وإن من الأرض نفسك ومن السماء قلبك ، فإذا نزل من السماء إلى الأرض شئ من ذا الذي يصرفه عنك غير الله (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : ٤] ، فأعط المعية حقها بلزوم العبودية له في أحكامه ودع عنك منازعة الربوبية في أفعاله من ينازعه يغلب (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُالْخَبِيرُ ) [الأنعام : ١٨] نعم الحق ما أقول لك ما نفس من أنفاسك إلا والله متوليه مستسلما كنت أو منازعا لأنك تريد الاستسلام في وقت وتأبى إلا النزاع وتريد النزاع في وقت آخر وتأبى إلا الاستسلام فدلت هذه على ربوبيته في جميع أفعاله ولا سيما عند من اشتغل بمراعاة قلبه لتحصيل حقائقه ، فإذا كان الأمر بهذا الوصف فأعط الأدب حقه فيما يرد عليك بأن لا تشهد لشئ منك أولية إلا بأوليته ولا آخر إلا بآخريته ولا ظاهرا إلا بظاهريته ولا