لم ينحرف في القبلة لا ظاهرا ولا باطنا ، ومن لم يعرف المراتب ؛ بقى أعمى عن السمت ؛ فهو لا يدري أي صلاة يصلّي ، وأي قبلة يستقبل (١) ، والله البصير ، وهو العليم الخبير.
وقوله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) [البقرة : ١٤٩].
: أي المأمور به الذي هو تولية الوجه إلى الكعبة (٢) وهو الثابت في علم الله تعالى من مقام الربوبية ؛ يعني : إن تولية الوجه إليها من باب التربية الإلهية ؛ لأنه رب العالمين ، واللائق به إيصالهم إلى كمالهم الذي هو المستعدّون له ، ومنعه عنهم إبطال لاستعدادهم ، وفي ذلك بطلان لهم ، فظهر أن صورة الكعبة حق ، وإن كانت الصورة من باب الخيال ، كما قال بعض العارفين : إنما الكون خيال ؛ وهو حق في الحقيقة.
وذلك ان الخيال كظل ، وهو وإن كان تابعا لذي الظل في الوجود ؛ لكنه له وجود في الجملة ، وإلا لما كان تابعا له ، فوجود التابع وجود اعتباري ، ووجود المتبوع وجود حقيقي ، فإن شئت جعلت له وجوده بالكافي وجوده باعتبار الشهود والجمع ، وإن شئت جعلت له وجود في الجملة باعتبار الحجاب والفرق ، والكل من باب الحقائق بالنسبة إلى مقامه ، فإذا كانت صورة الكعبة حقا ثابتا بحيث وجب التوجه إليها بالوجه الظاهري ، فكذا سرّها ، وهو القلب سواء كان قلوب الوسائط ، أو قلب
__________________
(١) وروح الاستقبال فيه من الأرواح الفرقانية.
(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤] ، فروح الاستقبال روح وصل بروح توجه إلى الروح الأعظم في هذا الوجه المبارك الذي فيه من أرواح الخليل والأرواح المحمدية ولله أرواح المشارق والمغارب ، وكل الجهات وأرواحها فهو الروح الأعظم والرب المالك للأرواح والممالك وساعات الإقبال فيها من أرواح الوصال.
والعلم بروح الوقت روح وصل بروح مراقبة وروح فكر في أرواح الموازين بأرواح الفصل في أرواح الأكوان بأرواح من الزيادة والنقصان وفي ذلك من أرواح التذكر والاعتبار في أرواح الليل والنهار.
(٢) الكعبة ظل البيت المعمور كما السلطان ظل الله في الأرض ، (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) [البقرة : ١٢٤].
(إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص : ٢٦] ، (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)[البقرة : ١٢٥] ، يصلي فيه العبد بربه صلة تصوره على صورته ، فافهم.