فكانوا علومهم بمنزلة الجهل ؛ لأنه لا يفيد العلم بلا عمل ، والعمل إذا صحّ على وجه السّنة ، وانضم إليه السلوك ؛ أدّى إلى العلم بالله الذي ذاقه أهل تلك الاصطلامات ، وإنما قلنا بانضمام السلوك ؛ لأنه لا يصحّ الكفر بالطاغوت إلا بتسليك المسلك ، وبعزّ من ناله بلا واسطة من الوسائط ؛ وهم المجذوبون على أن المجذوبين محتاجون إلى السلوك أيضا ، نعم إذا كان المجذوب أويسيا ؛ فرب العالمين مربيه ومعلمه إلى أن يحصل له التمكين والرسوخ في الطريقة ، فعليك بالاعتقاد ، ثم بالعمل ، كما ذكرنا حتى تنال إلى ما آل إليه الخوص ، ومن الله الرشيد التوفيق والاختصاص.
وقال تعالى : (كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) [البقرة : ٢٦٩].
اعلم أن التذكّر : إنما هو لأولي الألباب ، والتفكّر لذوي العقول ، فإن العقل محجوب ، محاط بالأفكار ، فلا يحصل المطلوب له إلا بعد التفكّر ، وإحضار الدلائل الكثيرة.
وأمّا اللبّ : فلكونه خالصا عن شوائب الأوهام ، والخيالات ، مجرّدا عن القشور ، والتعلّقات ؛ كان المطلوب حاصلا له بأدنى التذكّر ، والإشارات ؛ وهو صفة الراسخين في العلم المذبذبين فيه.
والحاصل : إن العقول الصافية القدسية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، فكيف إذا مسّه شرر من ذلك؟ وفيه إشارة إلى قربهم بقبول الدعوة من غيرهم ؛ كحال الصديق رضي الله عنه ، وغيره هذا ، وقد ختمنا الكلام في هذه المجموعة بهذه الآية الكريمة لما أن الله تعالى ألقاها على هذا الفقير الشيخ إسماعيل حقّي شرّفه الله تعالى بمزيد الترقّي صباح يوم الثلاثاء الحادي والعشرون من شهر المولد النبوي من سنة ثلاثين بعد المائة والألف ، إشارة إلى الختم بها ، فكان الأمر على السمع ، والطاعة ، والحمد لله على الإتمام ، ولرسوله أفضل التحية والإكرام ، وآله وصحبه ذوي الاحترام.
هذه المجموعة تمّت في ست سنين ، لما أن الأسفار رمتني من أرض إلى أرض ، والأقدار ألقتني إلى طول بعد عرض ، فجالت العوائق بيني وبينها ، فالله يفعل ما يشاء لا أن كلمات الله نفدت حاشا ، والله عليم بذات الصدور.