تتمة :
وجود الإنسان الكامل بظاهره وباطنه ؛ كشجرة السرّ وبأصلها وفرعها ، وظاهرها باق لا يتغيّر بالموت ، فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، والصدّيقين ، والشهداء ، وذلك كفرع «السرو» فإنه لا يتغيّر بعصوف الرياح ؛ بل يبقى على حاله في الربيع والخريف ؛ ولذا باقي الفصول ، وكذا أصلها ثابت لا ينقعر ؛ كسائر الأشجار الضعيفة (١).
ومثله في المتانة والتمكين ؛ اعتقاد الإنسان الكامل ، ويقينه ، فإن اليقين هو الاستقرار ؛ ولذا يقال : علم اليقين إذا استقر العلم في القلب ، وعين اليقين إذا استقر المعيّن في الفؤاد ، وحق اليقين إذا استقر الحق في الروح والسر ، وليس حال غيره مثله في ذلك.
ألا ترى إلى علماء الرسوم ، فإنهم لا يقفون عند حدّ ، وإن كانوا أعلم أهل زمانهم ؛ تكون علومهم مشوّبة بالشكوك ، وإدراكاتهم مخلوطة بالأوهام ، فيناقضون أنفسهم في معلوماتهم ، وينتقلون من طور إلى طور ، ولو كانوا على علم صحيح لما تغير حالهم ، وإن عاشوا ألف سنة.
وكذا حال أهل الكشف ، فإن الكشف ما لم يكن صريحا ؛ لم يأمن صاحبه عن الغوائل ، وكم رأينا في عصرنا من أهل الدعاوى حاروا في أمورهم ، ورجعوا إلى القدح في الله تعالى حتى خرقوا المصاحف ، وتركوا الفرائض ظنّا أن الله تعالى ما
__________________
(١) فالإنسان الكامل موجود الوجود الحق في إحاطته ، هو شخص حقيقة الدائرة الرحمانية الرحيمية ، الظاهر ظله في مرآة كل استعداد زماني بحسبها ، فيكون صاحب ذلك الزمان.
وقال رضي الله عنه في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة : إن الإنسان الكل الكامل الكلي لم يزل مع الله ، فلا يزال مع الله ، فهو باق ببقاء الله ، وما عدا الإنسان الكامل ، فهو باق بإبقاء الله تعالى.
وهنا مسألة أخرى أذكرها لتعريف الفرق بين الأزلين وهي : إن الموصوفين بالأزل نفيا ، أو إثباتا لا بتقدم أحدهما على الآخر ؛ لأن الأزل لا يصح فيه التقدّم والتأخّر ، ولكن الفرق بينهما أن أزلية الأعيان هي دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم بكونها من غيرها ، وأزلية المبدع نعت سيي ينفي الأوليّة بمعنى افتتاح الوجود عن العين ؛ لأنه عين الوجود ، فافهم.