صدق فيما أخبرهم به ، ولو كان كشفهم عن عين اليقين ، وحق اليقين (١) لما انقلب الحال ، وإنما كوشفوا في عالم الخيار ، أو أخبرهم الوسواس ؛ فظنّوا ما ظنّوا.
والله تعالى يقول الحق ، ويهدي السبيل ، ومن أصدق من الله قيلا ، فمن وجد خيرا ؛ فليحمد الله ، ومن وجد خلافه ؛ فلا يلومنّ إلا نفسه ، جعلنا الله وإياكم من الراسخين في العلم ، والمتمكنين في الكشف ، وعصمنا من الغوائل النفس ، والشيطان ، والتغيّر في العلم والعرفان ، إنه هو الهادي إلى منزل اليقين ، والسائق على منهل التمكين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لطيفة : قيل لي ليلة الجمة السابع عشر من شهر مولد النبي من سنة ١١٣٠ من الهجرة : الإنسان أصل المبنى : أي الأصل الذي هو المبنى ، فإن الأصل هو الذي يبنى عليه الفرع ، كالمبنى الذي يبنى عليه البناء ، وكاللفظ يبنى عليه المعنى ، ونحو ذلك ، أو المعنى أن الإنسان هو أصل البناء ، فالمبنى مصدر بمعنى البناء ، وذلك أن أول الأرواح ؛ هو العقل ، والروح المحمّدي ، كما أن أول الأجسام ؛ العرش ، وما يليه إلى أن ينتهي الأمر إلى المولّدات ، وإلى عالم الإنسان.
ففي الكلام معنيان :
الأول : إن أس الكائنات ؛ هو العقل الذي ظهر في صورة الروح أولا ، ثم في صورة النفس ، ثم في صورة الجسم ، ثم في صورة تعيّنه المخصوص ، ودار في العوالم
__________________
(١) قال الشيخ القاشاني في «لطائف الأعلام» : اليقين هو السكون والاطمئنان لما غاب ، بناء على ما حصل به الإيمان ، وارتفع الريب عنه ، فإذا حصل السكون والاطمئنان بما غاب بناء على قوة الدليل بحيث يستغني بالدليل عن الجلاء فذلك علم اليقين ، وإذا حصل السكون بالاستغناء عن الدليل لاستجلاء العين بشهود الفعل الوحداني الساري في كل شيء فذلك هو عين اليقين ، والإشارة بالمظهر الكوني في قوله تعالى : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٧] ، والرؤية لا تكون إلا في المظهر ، فإذا استقرّ فجر التجليات أولا ثم طلع شمس التجلي الذاتي ثانيا فذلك هو حق اليقين.
وقال سيدي محمد وفا رضي الله عنه وعنّا به : اليقين هو تمييز العلم الذي لا يحتمل النقيض ، وحقيقته : تصور ينزل المسموع منزلة المشهود ، وغايته : استغناء النفس عن كل مسموع بما حصل به في داخل الذهن ؛ لأن عين الجمع لا يعتبر الخارج ؛ لاستغنائه عنه ، فلا يفتقر إلى المطابقة ، الأول علمه ، والثاني عينه ، والثالث حقه اه.