دورا كليا وجزئيا ؛ ليحرز كمال كل موطن من المواطن ، ويتجلّى بجمال كل عالم من العوالم.
والثاني : إن الغرض الأصلي من الخلق : أي ما يدور عليه الحكمة والمصلحة ؛ هو الإنسان ؛ لأن به يحصل الجلاء والاستجلاء التام لظهوره بحقائق اسم الله الأعظم ، فكان نتيجة الظهورات ، وثمرة شجرة الكائنات ؛ والمراد من إخبار هذا المعنى مع ظهوره ؛ تذكير النعمة الإلهية في ذلك ، والحمل على الشكر ، والترغيب فيما يحصل به الكمال الإنساني من الوسائل ، والأسباب ، والتنفير عن البطالة ، والفتور ، والاحتجاب ، أيقظنا الله تعالى وإياكم يا أولي الأبصار ، وجعلنا من الأنوار ، وأهل الأسرار.
لطيفة : وقيل لي ليلة الجمعة السابع عشر من شهر مولد النبي من سنة ١١٣٠ من الهجرة : بالبرّ يستعبد المعاني ، البرّ هو التوسّع في فعل الخير ؛ لكن أطلق على الاعتقاد ، وأكمل فرضا كان أو نفلا ، وعلى الإحسان إلى الوالدين ، ونحو ذلك.
وأريد به هاهنا نوافل العبادات أينما كانت ، فإن بالنوافل يحصل القرب الإلهي : «ومن تقرّب إليه تعالى شبرا ؛ تقرّب الله إليه ذراعا» (١) ، كما ورد في الحديث القدسي.
وذلك القرب (٢) عبارة عن الفيض الكثير ، وإليه الإشارة بالمعاني في هذا المقام ؛
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٧٤١) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦٧).
(٢) قال الشيخ القاشاني في القرب : هو القيام بالطاعة ، والقرب : هو دنو العبد من الله تعالى بكل ما يعطيه من السعادة ، لأقرب الحق العبد ، فإنه من حيث دلالة : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] ، عليه قرب عام سواء كان سعيدا ، أو شقيا ، فكل عبد ، في كل وقت ، تحت حكومة الأسماء الإلهية قرب ، من حيث تجلي اسم إلهي وبعد من حيثية اسم آخر ، فالقريب من المضل فلا بعيد من الهادي ، والعكس ، فكل اسم يعطي قربا ، فالسعادة ترجع إلى هذا القرب المصطلح عليه ، وقد يكون للحق قرب خاص من العبد زائد على قربه العام.
كما قال تعالى لموسى وأخيه عليهماالسلام : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) ، فإن هذه المعية ، معية العناية بالحفظ والكلاءة ، لا المعية العامة ، فقرب العبد من الحق بكل ما يعطي من