فمعناه : إن الإنسان إذا توسّع في نوافل العبادات ؛ استعبد المعاني ، والحكم ، وقيد الرقائق ، واللطائف ، وحكم على عالم الملكوت حسبما يساعد حاله في نوافله.
كما أنه بالبر والإحسان يستعيد الحر : أي يصير الحر بسبب الإحسان ؛ كأنه عبد المحسن ، والمحسن في الحقيقة ؛ هو الله تعالى ، فالكل من المحسن ، والمحسن إليه من عبيد الله تعالى ، جعلنا الله وإياكم من المشغولين بالنوافل ، والفرائض ، وجعلنا من المقبولين عنده ، والفائزين بأسرار ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، والمنوّرين بأنوار جماله.
اعلم أن كلّا من الغيبة ، والخطاب ، والتكلّم في هو وأنت وأنا ، نسبة من نسب الكلام والكل بمعنى واحد ، وإنما التفاوت بحسب المقام الذي يقتضي التخصيص ، فقولهم : أنا الحق ، وهو الحق ، وأنت الحق على نسق واحد في المعنى (١).
__________________
ـ السعادة يتبع له قربا خاصا من الحضرات بالحقية ، كما قال صلىاللهعليهوسلم عن ربه تعالى : «من تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا ، ومن أتاني يسعى أتيته هرولة».
والقرب على قسمين : علمي ، وعملي.
فالعلمي : أعلاه العالم بتوحيد الألوهية ، وهو على نوعين نظرى ، وشهودي. والعملي : على نحوين :
قرب بأداء الواجبات : وهو القرب الفرضي كما قال صلىاللهعليهوسلم عن ربه تعالى : «ما تقرب المقربون بأحب إليّ من أداء ما فرضته عليهم».
وقرب نفلى : كما قال صلىاللهعليهوسلم عن ربه تعالى : «لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت له سمعا وبصرا». ومداد العمل المقرب :
إما من الباطن إلى الظاهر ، فأعمه وأتمه الإيمان.
وإما من الظاهر إلى الباطن ، فأعمه وأتمه الإسلام.
وإما من القلب الجامع بين الظاهر والباطن ، فأعلمه وأتمه الإحسان.
فمقتضى القرب النفلى : تجلى الحق للعبد متلبسا القابلية المحدودة.
ومقتضى القرب الفرضي : تجلي الحق له ، وظهور العبد بحسب الحق ، غير محدود ، ولا متناه.
فالتمييز بين قوسي الحقانية والعبدانية في القرب المفرط إن كان خفيا يعبر ب «قاب قوسين».
وإن كان أخفى يعبر عنه ب «أو أدنى».
ومن هنا قال قدسسره : وقد يطلق على حقيقة : «قاب قوسين» ، فالتجلي بحكم هذا القرب ، إن كان في مادة وصورة ، تتبعها القرب في النسبة المكانية ، في مجلس الشهود ، وإن كان في مجلس الشهود ، وإن كان في غير مادة ، كان قرب المنزلة والمكانة ، كقرب الوزير من الملك .. فافهم.
(١) والحاصل أن أهل طريق الله المحققين قد أجمعوا على تعظيم نواميس الشريعة المحمّدية وردع من