__________________
ـ خالفها من الفرق الضّالة العنادية ، وكلما قدمنا من عباراتهم فهو يسير من كثير ، وغالب من يقع في الشطح من المحققين ؛ لكونه أسكره شهود مقام الجمع ، وهو عبارة عن شهود حق من غير خلق ، فهو سكر وصاحبه سكران ، لا يعتد بكلامه ؛ لأنه مغلوب مقهور تحت سلطان حاله ، فإن الصاحي يعذره ولا يقبل منه ، فإنه ربما غلبه شهود الحق ، فصار يقول : ما في الكون إلا الله وما في الجبة إلا الله.
ويقول : أنا الحق ولا يرى كثرة ولا تعددا ، ولا يدرك أن ثمّ خلقا ؛ لنفوذ بصر بصيرته من شهود الخلقيّة إلى شهود الحقيّة ، ولشدة فرط ظهور هذا المشهد لعينه القلبية ظن اتحادا ووصلا ، فنفى وجوده ووجود الخليقة.
فهذا إذا صحى من سكره رجع مقهقرا لمقام العبودية ، وأقرّ واعترف بوجود الخلقيّة وإذا سئل عن مقالته أنكرها ، فإن نفى الخلقيّة وعدم إثباتها كفر لمخالفة المنكر لنص الكتاب.
فهذا حال المحق ، وأمّا حال المبطل الذي يتشبّه بمن هذا حاله ، وما ذاق منه قطرة وما نظر من نظراته نظرة ؛ فهو كلابس ثوبي زور ، وقاتله ورادعه ومؤدّبه مأجور ، مع حق أن الأول ولو كان محقّا فكذلك ، فكيف من يدّعي ملك ما ليس له بمالك ، نسأل الله تعالى العافية من ذلك ، فإن الشرع الشريف ليس له إلا الظاهر ، والله يتولى السرائر والغالب على هؤلاء الزنادقة أنهم يدّعون أنهم لا يشهدون إلا الله ولا يثبتون كثرة أصلا.
ويقولون : إن الوجود واحد وما ثمّ إلا واحد ، ونحن لا نرى إلا الله مع أنهم يشاهدون الكثرة في أنفسهم والعجز والافتقار ، والله تعالى منزّه عن ذلكن ويزعمون أن وجودهم المقدّر المفروض المحدود ووجود هذه الأشياء من حيث هي أشياء مقدّرة مفروضة هي وجود الحق تعالى ، وتقدّس جناب الحق تعالى عن صفات الخلق فهذا كفر صريح.
وأمّا قول أهل الحق القائلين بوحدة الوجود على الوجه الأحق ، فإذا قالوا : ما في الوجود إلا الله مثلا فمرادهم من حيث القيومية فإن به تعالى قيام كل شيء وهو القائم على كل نفس بما كسبت ومن حيث تجلّيه وإمداده وتولّيه ، لا أن هذه الصور الحادثة الفانية المقيّدة المحدودة وجوده ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وتختلف أذواق أهل هذه المشاهد ، فمنهم من يكون ذوقه صديقيّا ، فيقول : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله.
فأولا رأى قيوميّة الحق وتجلّيه على الشيء ، ثم رأى الشيء ولم ينفه ولو نفاه ؛ لكان سكرا ، فكان مشهده كاملا حيث جمع بين شهود الحق والخلق في آن ، لكنه غلب عليه شهود الحق ، فرآه أولا ثم رأى الخلق.
ومنهم : من يكون مشهده فاروقيّا ، فيقول : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه : أي متجلّيا بقيوميته عليه ، وهذا المشهد دون الأول من حيث الذوق.