__________________
ـ ومنهم : من يكون مشهده مشهدا عثمانيا ، فيقول : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله معه.
ومنهم : من يكون مشهده مشهدا علويّا ، فيقول : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده.
وثمّ فوق هذه الأذواق أذواق كثيرة لا حدّ لها ولا نهاية ، قد ذاقها الأصحاب والأحباب ، ساروا على منهج السنّة والكتاب.
ولقد سألت شيخنا الهمام سيدي الشيخ عبد الغني حفظ الله وجوده للأنام عن مقام المعرفة الخاصة ، هل يكون بدون جدّ واجتهاد.
فقال : لا ، فقلت : ولا بد فيه من الذوق والوجدان ، والقال لا يكفي دون الحال.
فقال : نعم ، فقلت : وكيف السبيل إلى طريق الذوق والوجدان.
فقال : (بملازمة الطاعات ونوافل الخيرات والاشتغال بالله والإقبال عليه ، كما نصّت عليه الأشياخ.
فبهذا يحصل الذوق لطالبه أو ما هذا معناه ، وسألته عن أهل مقام الجمع.
فقال : أولئك قوم سكارى ، فالسكران لا يعول على قوله فإنه يقول : أرى كذا وكذا والصاحي ينكر قوله ؛ لعلمه أن ما يدّعيه غير صحيح في نفس الأمر ، وإنما تخيّل لفرط سكره ، إن الأمر كما أخبر وليس كذلك ؛ بل الأمر كما هو عند الصاحي فإن السكر حال مدهش يذهب بعقل صاحبه فلا يعتد بكلامه) بما معناه.
فقول السكران : ما في الوجود إلا الله حق من وجه ؛ لأن الوجود الحادث قائم به تعالى ، فالوجود على الحقيقة له ؛ إذ قيام الكل به ، لكنه لما أنكر وجود الخلقيّة بالكليّة.
قلنا : بسكره ، ورددنا قوله : فإنها ثابتة حسّا وشرعا وعقلا ، وقد يقول الصاحي مثل قول السكران ، لكنه يعني من وجه دون وجه ، فمن حيث أن الكل هالك بالنظر لنفسه فإن الشيء لا يعطى لنفسه وجودا ، فإنه معدوم بالنظر لها أيضا ، وأمّا بالنظر ؛ لمفيض الوجود عليه فهو ثابت به باق بإبقائه.
فقول سيدي محي الدّين قدّس الله سرّه : (فلولاك ما كنّا) : أي من حيث أن وجودنا بك ، ولولاي لم تكن : أي آثار أسمائك الحسنى ، فإن الأسماء تطلب الآثار ، فإن المانع يطلب من يمنعه ، والمعطى كذلك ولا ظهور للآثار إلا بظهور المؤثرات.
ولهذا لم يكن ظهور الكون إلا عن الأسماء وطلبها ، كما ذكره الشيخ في «إنشاء الدوائر» ، وفي «عنقاء مغرب».
وأمّا بالنظر إلى الذات العليّة المتعزز درك كنهها بالكليّة ؛ فهي مطلقة غنيّة حتى عن الإطلاق والكل في قيد وفي وثاق ، فلا تعلّق لها بشىء إلا من حيث الإمداد ، ولا يتعلق بها شيء إلا من حيث الاستمداد ، والأسماء الحسنى هي الوسائط التي لولاها كنّا من البسائط.
ثم قال : «فكنت : أي كنزا مخفيّا» ولم تزل على ما كنت عليه إلى الأبد في الأزل وكنّا بك أعيان ثابتة في العلم ثم أبرزت صورة ما في علمك لا الذي في علمك ، فإنه قديم لا تحلّه الحوادث ، وهذا