__________________
ـ قال صاحب الجوهرة : إذ كل من قلّد في التوحيد إيمانه لم يخل عن ترديد ، وكل من طلب الثانية ولم يحكم الأولى كان جاهلا بالله ؛ فإنها أولى وأولى ، ويجب على صاحب هذه المعرفة أن يطلب العلم الواجب في حقّه ؛ ليكون ممن يعبد الله على بصيرة ، وإلا كان ما يهدم أكثر مما يبني.
ففي الحديث : «ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم».
والعالم العامل هو الورع المشار إليه بحديث : «ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط». رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس.
وإلا فمع الجهل أين الورع.
والثانية : معرفة آثار الأسماء والصفات ، وظهور أنوار تلك الآثار في القلب ؛ ليخلص صاحبه من الآفات ، وطريقها تسير الأوقات بالعبادات ، وتزكية النفس وترك المخالفات ، والجلوس على بساط الفقر والانكسار ، وشغل القلب بمراقبة العزيز الغفار ، والاقتداء بأستاذ شهدت بصحة عقيدته وكماله العارفون ، وأقرّت بحسن منازلاته ومواجيده الواصلون ، ليسلك به مقام التعلق ، ويرقيه إلى التحقق ، ويوصله إلى التخلق ، وهناك يدرك الأسرار بطريق المنازلة والذوق ، ويأكل لا من تحت الأرجل بل من فوق ، وطريق التصوف عند السادة الصوفية ، كله تخلق بالأخلاق المصطفوية ، فمن زاد تخلقه زاد تصوفه ، والتخلق يحتاج إلى السلوك ، وهو يفتقر إلى المرشد العارف.
قال الشعراني رضي الله عنه في الميزان : أما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا ، ولو بالقلب من غير لفظ ، فلا يوصلك إلى ذلك ، ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بها.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال :
«من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عمّا حرّم الله فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى ، المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليهالسلام».
ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقى بعد ذلك ، وهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية ، ويرى اتصال جميع أقوال العلماء بحضرة الأسماء ، ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين ؛ لشهود اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات ، لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم.
وهذه المعرفة نتيجة التخلي عن الأخلاق الذميمة ، والتحلي بالأوصاف الكريمة ، فأثمرت التجلي بالأسرار العظيمة ، وفي الحديث : «الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خلقا». وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
قال صاحب عوارف المعارف : «فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمجاهدات حتى أجابت