والشّبهات حول القرآن ـ في قديمها أو الحديث منها ـ تتنوّع إلى أنحاء :
١ ـ منها ما يعود إلى التشكيك في كونه وحيا مباشريا تلقّاه نبيّ الإسلام من ملكوت أعلى ، إمّا لعدم إمكانه ، نظرا لعدم التوائم بين عالمين أحدهما أعلى لطيف والآخر أسفل كثيف! وقد أجبنا على ذلك (١) بإمكان الاتّصال بالجانب الروحاني (حقيقة الإنسان الذاتيّة) من الإنسان إذا كان قد بلغ الكمال واستعدّ روحيّا للاتصال بالملإ الأعلى.
وإمّا لزعم أنّها ملتقطات التقطها نبيّ الإسلام من أفواه الرجال (أهل الكتاب) كان يلتقي برجال من أهل الديانات المعروفة في جزيرة العرب في رحلاته وأسفاره إلى مختلف البلاد ، بل وفي مكّة والحجاز ممّن آوى إليها من المعتنقين للمسيحية وأبناء اليهود. (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). (٢)
أضف إليه ما كان يستلهم من صميم وعيه المطعّم بإيحاءات البيئة التي كان يعيشها ، كان يستوحيها من داخل ضميره عند ما يختلي بنفسه في غار حراء. فكان يستصفي أحسن ما تلقّاه ليبديه وحيا من الله وقرآنا نازلا من السماء.
هكذا فرضوا فيما زعموا من غير برهان أتاهم. وسنفصّل الكلام في ذلك.
٢ ـ ومنها زعم التأثّر بالبيئة وثقافات جاهلية كانت ساطية حينذاك. حسبوا أنّ في القرآن الشيء الكثير من رسوم وعادات بائدة كانت قد تعارفها العرب وربّما البشرية يوم ذاك وقد خضع لها القرآن في كثير من تعاليمه وبرامجه ، والتي منها ما يبدو غليظا أو شديدا أو متجافيا للحكمة ويتعافاه العقل الرشيد فيما تقدّمت ركب البشرية فيما بعد ، وأخذوا من عقوبات الإسلام دليلا على ذلك فيما وهموا!
٣ ـ ومنها ما حسبوه متهافتا من إيهام التناقض في القرآن ، ولو كان من عند الله لم يوجد فيه هذا الاختلاف! هكذا حسبوا حسابهم لا عن مداقّة!
٤ ـ ومنها احتمال وجود اللحن في القرآن إمّا تأريخيّا أو أدبيّا أو متنافيا مع بداهة العلم ، فيما توهّموه عبر الخيال!
__________________
(١) في الجزء الاول من التمهيد.
(٢) الفرقان ٢٥ : ٥.