ينبغي ذلك إلا لربه تبارك وتعالى ، فأيقن به فقال : كذلك أنت يا إلهي ، فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال : بل أنا الذي أكلمك ، فادن يا موسى ، فجمع موسى يديه في العصا ثم تحامل حتى استقلّ قائما ، فرعدت فرائصه حتى اختلفت ، واضطربت رجلاه ، وانقطع لسانه ، وانكسر قلبه ، ولم يبق منه عظم يحمل آخر ، فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبا من الشجرة التي نودي منها ، قال له الرب تبارك وتعالى : إليّ ، ما تلك بيمينك يا موسى؟ قال : هي عصاي ، قال : وما تصنع بها ـ ولا أحد أعلم بذلك منه ـ؟ قال موسى : أتوكّأ عليها ، وأهشّ بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى ، وكان لموسى عليهالسلام في العصا مآرب ؛ كانت لها شعبتان ومحجن (١) تحت الشّعبتين ، قال له الرّبّ تبارك وتعالى : ألقها يا موسى ، فظنّ موسى أنه يقول له : ارفضها ، فألقاها على وجه الرفض ، ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون ، يدبّ يلتمس ، كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه ، يمرّ بالصخرة مثل الخلفة (٢) من الإبل فيقتلعها ، ويطعن بالنّاب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فتجتثّها (٣) ، عيناه توقدان نارا ، وقد عاد المحجن عرفا فيه شعر مثل النّيازك (٤) ، وعادت الشّعبتان فما مثل القليب (٥) الواسع ، وفيه أضراس وأنياب لها
__________________
(١) الشّعبة من الشجر : ما تفرق من أغصانها. وشعب الغصن : أطرافه المتفرقة (اللسان ، مادة : شعب).
والمحجن : عصا معقّفة الرأس كالصولجان (اللسان ، مادة : حجن).
(٢) في ب : الخلقة. والخلفة : الناقة الحامل (اللسان ، مادة : خلف).
(٣) الجثّ : القطع ، وجثّه : قلعه ، واجتثّه : اقتلعه (اللسان ، مادة : جئث).
(٤) في هامش ب : النيازك : الرماح الصغار (انظر : اللسان ، مادة : نزك).
(٥) القليب : البئر (اللسان ، مادة : قلب).