ـ الاستحسان بالقياس الخفي :
ويعني ترجّح قياس على قياس آخر ، أحدهما : قياس جلي (ظاهر العلة) ، والآخر : خفي العلة فيه.
ومثّلوا له بوقف الأراضي الزراعية ، وفيه قياسان ، أحدهما : جلي ، وهو أن الوقف يشبه البيع في أن كلا منهما يتضمن إخراج العين عن ملك صاحبها فلا يدخل في الوقف حقوق الشرب والمسيل والطريق ، أي حق المرور في الوقف إلا بالنص عليها من الواقف ، كما في البيع. وقياس خفي : هو أن الوقف يشبه الإجارة في إفادة كل منهما مجرد الانتفاع بالعين ، ومقتضى هذا أن تدخل حقوق الشرب والطريق في الوقف ، وإن لم ينص الواقف عليها ، فيرجّح المجتهد القياس الثاني على الأول ، لأن المقصود من الوقف هو مجرد الانتفاع ، وهو لا يمكن إلا بأن يدخل الشرب والمسيل دون نص عليها.
* وهو العدول بالمسألة عن حكم القياس الظاهر المتبادر فيها إلى حكم مغاير بقياس آخر أدق وأخفى من الأول ، ولكنه أقوى حجة ، وأسدّ نظرا ، كما في وقف أرض زراعية دون ذكر حقوق الري والمرور فيها ، فإن هذه الحقوق لا تدخل عند عامة الفقهاء في ذلك الوقف ، وذلك قياسا على البيع ، فإن ما لا يذكر في البيع ابتداء فإنه لا يدخل فيه ، فكذلك الوقف ، فما لم يذكر فيه فإنه لا يدخل فيه ، ولكن يمكن أن يقاس على الإجارة باعتبار آخر ، وذلك بجامع أن المقصود من الوقف والإجارة الانتفاع من ريع العين دون تملك رقبتها ، وبما أن حقوق الري والمرور تدخل في إجارة الأراضي الزراعية ، ولو لم تذكر ، فإنه قياسا عليها ، ينبغي أن تدخل تلك الحقوق في وقف الأرضي الزراعية ولو لم تذكر ابتداء.