قال عكرمة : أرادوا المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز (١).
وقال ابن عباس والضحاك وعكرمة : أرادوا الحاكة والأساكفة وأرباب الحرف الدنيّة(٢).
وهذا جهل منهم وفرط عتو ، فإن الصناعات لا [أثر](٣) لها في باب الديانات.
وإذا استقرأت أتباع الرسل السابقين إلى مناصرتهم والإيمان بهم وجدتهم في الغالب الضعفاء والمساكين ، حتى صار ذلك أمارة لهم وعلامة على صدقهم ، ولهذا قال هرقل في حديثه مع أبي سفيان لما قال له : «من يتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم؟ فقال : بل ضعفاؤهم ، قال : هم أتباع الرّسل» (٤).
(قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أراد عليهالسلام انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم ونفى اطّلاعه على [سرائرهم](٥) وضمائرهم ؛ لأن مقصودهم بقولهم : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) تحقير شأنهم ، وأن إيمانهم لم يصدر عن نظر صحيح ورأي مستقيم ، كما قالوا في موضع : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] ، فاكتفى منهم نوح بظاهر أمرهم ، وكل سرائرهم إلى الله تعالى ، فذلك قوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي)(٦) أي : ما حسابهم فيما يعملون من خير وشر إلا على ربي (لَوْ تَشْعُرُونَ) ذلك. المعنى : ولكنكم قوم جهلة.
__________________
(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٣٥٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ١٣٤).
(٢) مثل السابق.
(٣) في الأصل : أكثر. والتصويب من ب.
(٤) أخرجه البخاري (٤ / ١٦٥٨ ح ٤٢٧٨) ، ومسلم (٣ / ١٣٩٥ ح ١٧٧٣).
(٥) في الأصل : أسرارهم. والتصويب من ب.
(٦) في الأصل زيادة قوله : " لو تشعرون". وستأتي بعد.