الأدلّة والأصول ، لا جرم يقتصر على مقدار عجزه ، فإذا قدر المكلّف على استنباط بعض مقدّماتها وعلم به استغنى عن المجتهد بالنسبة إلى هذه المقدّمة ويأخذ بما يستنبطه المجتهد في باقي المقدمات ويعمل على ما يحصل من مجموعها ، وربما يكون مخالفا لفتوى المجتهد ، مثلا لو أفتى بوجوب التيمّم على التراب لقوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) لاختيار كون الصعيد هو التراب ، ولكن المقلّد يقطع بأنّ الصعيد مطلق وجه الأرض فيأخذ عن المجتهد جميع ما هو عاجز عن فهمه من مقدّمات المسألة ، مثل انّ ظاهر الكتاب حجّة ، والأمر للوجوب ، وانّ المراد ب «لم تجدوا» لم تتمكّنوا من الاستعمال ، وغير ذلك ، ويبنى على جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض ، وهذا ممّا لا يلتزم به أحد ، حتّى انّ المصنّف قدسسره صرّح في رسالة التّعادل والترجيح (٢) بذلك حيث جزم بأنّه إذا كان الخبران المتعارضان [متعادلين] بنظر المجتهد وكان أحدهما راجحا بنظر المقلّد فالعبرة بنظر المجتهد وليس للمقلّد الأخذ بما هو الرّاجح عنده.
وثالثا : أن كون المقلّد بل المجتهد مكلّفا بمؤدّى الأدلّة وإجراء الاصول ممنوع ، بل الحقّ المحقّق في محلّه أنّ التكليف منحصر في الأحكام الواقعيّة ، وليس مؤدّى الأدلّة وإجراء الأصول أحكاما مجعولة في مقابلة الأحكام الواقعيّة ، بل إنّما هي أحكام عذريّة بمعنى أنّ المكلّف معذور بعد الأخذ بها على تقدير التخلّف عن الواقع ، ويظهر الثّمرة فيما إذا ترك المقلّد واجبا واقعيّا قد أفتى مجتهده بعدم وجوبه وكان تركه مستندا إلى ترك التقليد لا إلى فتوى المجتهد فإنّه يكون آثما معاقبا على ترك الواجب على المختار لأنّه لم يأت بالواجب الواقعي ولا بالعذري ، وأمّا بناء على كون مؤدّيات الأدلّة أحكاما مجعولة فقد وافق فعله حكما شرعيّا ثانويّا ولا يعاقب على ترك الواجب الواقعي.
__________________
(١) المائدة ، ٥.
(٢) الرسائل طبع جماعة المدرسين ؛ ٧٦٣.