الثّالث : انّ قوله : «إذا التفت إلى حكم» قيد زائد في الكلام ، إذ الأقسام لا تنفكّ عن الالتفات جزما ، ولعلّ القيد توضيحيّ ، ولو قال إنّ المكلّف إمّا قاطع أو ظانّ أو شاكّ كفى في مقصوده.
وقد يقال إنّ قيد الالتفات لإخراج الغافل حيث إنّ له حكما بأنّه معاقب إن كان مقصّرا ، ويجاب بأنّ العقاب وعدم العقاب في حقّ الغافل ليس من الأحكام التي يكون استنباطها وظيفة للمكلّف ولا يثمر ثمرة هذا.
ولا يخفى أنّ التوجيه وجوابه غير ملائم للمقام ، لأنّ المصنّف بصدد بيان الأقسام المذكورة لا غيرها مثل الغافل وحكمه.
٢ ـ قوله : وهى منحصرة في الأربعة (ص ٢).
أقول : ظاهر التّعليل أنّ الحصر عقليّ لترديده بين الإثبات والنفي ، لكنّه فاسد ، لأنّه إن أراد حصر نفس الاصول في الأربعة على ما هو صريح كلامه هنا وظاهر عبارته في أوّل رسالة أصل البراءة عقلا ففيه أنّه يمكن للشّارع جعل اصول أخر أيضا لموارد الشكوك قطعا لا محذور فيه أصلا ، غاية ما في الباب ، أنّه لم يقع ، فليحمل الكلام على إرادة الحصر الاستقرائى وإن كان خلاف الظاهر من العبارة ولا بأس به لتصحيح الكلام ، الّا انّه لا يتمّ أيضا لأنّا وجدنا بالاستقراء اصولا أخر مجعولة في الشّرع مثل قاعدة الطّهارة ، وقاعدة التسامح في أدلّة السنن بناء على أنّه من الاصول الموضوعة لبيان حكم الشكّ كما هو الأظهر ، وقاعدة أصالة الحرمة في اللحوم حتّى بالنسبة إلى الشبهة الحكميّة على مختار جمع ، وأصالة التوقّف ، وغير ذلك ممّا يظفر بها المتتبّع.
والاعتذار بأنّ مراد المصنّف (قدسسره) حصر الاصول العامّة الجارية في سائر أبواب الفقه في الأربعة ، وغيرها ممّا ذكر لا يجرى إلّا في بعض الأبواب ، مندفع بأنّه لا وجه لهذا التخصيص إذ المجتهد باحث عن جميع الأبواب وبصدد استنباط حكم جميع الوقائع كما لا يخفى.