لا يحتاج إلى جعل الشارع وإمضائه بمعنى تقريره ورضاه به ، ولكن يحتاج إلى إمضائه بمعنى عدم الردع عنه ، فإنّه قابل للرّدع فهو حينئذ غير قابل للجعل بمعنى إنشاء حجّيته ابتداء نظير جعل الأدلّة الظنّية ، وللجعل بمعنى تقريره وإمضائه نظير بناء العقلاء على شيء هو بمرأى ومسمع من المولى وسكوته عنه بحيث يكشف ذلك عن رضاه به وهو في قوّة الجعل أيضا ، بل للجعل بمعنى عدم الردع عن العمل به وبيان هذا المدّعى يحتاج إلى تمهيد مقدّمة وهي :
أنّ الجعل إمّا تكوينيّ بمعنى إيجاد الشيء أو تشريعيّ بمعنى إنشاء أمر أو حكم ، وعلى التقديرين إمّا أصلي كإيجاد الأربعة مثلا وإيجاب الصّلاة ، أو تبعيّ كإيجاد الزوجيّة للأربعة وإيجاب مقدّمات الصلاة فإنّهما تابعان للجعل الأوّل يحصلان بتحقّقه قهرا لا بجعل آخر غير الجعل الأوّل ، وإن شئت فعبّر أنّ الشيء إمّا مجعول أو منجعل وعلى التقادير إمّا بسيط وهو ما يكون مفاد كان التامة بمعنى جعل شيء وإيجاده مجرّدا عن اعتبار أمر آخر ، أو مركّب وهو ما يكون مفاد كان النّاقصة بمعنى جعل شيء شيئا وإيجاد شيء لشيء ، فإنّه يحتاج إلى اعتبار شيء آخر مع المجعول ، مثال الأوّل تكوين زيد أو تشريع الوجوب حتّى يصحّ قولك كان زيد أي وجد وكان الوجوب أي ثبت ، ومثال الثاني خلق زيد طويلا أو قصيرا من الصفات الغير اللازمة القابلة للانفكاك عنه ، وجعل الوجوب تعيينيّا أو تخييريّا مثلا من الصفات الغير اللازمة التي لا يكفي فيها جعل الموصوف فيكون منجعلا به حتّى يصحّ قولك كان زيد طويلا أو قصيرا أو كان الواجب تعيينيّا أو تخييريّا.
ثمّ الجعل التشريعي إمّا شرعيّ أو عقليّ ، والشرعيّ واضح ، أمّا العقليّ كحكم العقل بأنّ الظلم قبيح يستحقّ فاعله الذمّ واللوم لا بمعنى إدراكه ذلك فقط ، بل بمعنى تحريمه له تحريما إنشائيّا حتّى لو كان العقل بالفرض مولى قادرا على العقاب لعاقب عليه.
نعم حكم العقل الإرشادي راجع إلى إدراك المفسدة والمصلحة والحسن والقبح.