وبعد ان نال الطوسي قسطاً وافراً من العلوم في الحواضر العلمية بخراسان ، اشتاقت نفسه إلى طلب المزيد فباتت خراسان بحواضرها ومشايخها وفقهائها ومحدثيها ومتكلميها عاجزة عن إشباع رغباته العلمية ، فاتجهت أنظاره صوب العراق وعاصمتها مدينة السلام بغداد. ولعل السبب الرئيسي وراء هجرة الشيخ الطوسي إلى بغداد هو الأجواء التي كانت تحيط بخراسان وما وراء النهر في تلك الفترة الزمنية ، فان هذه المنطقة المهمة والكبيرة ، بمدنها العامرة وحواضرها العلمية كانت من المعاقل الشيعية المهمة في القرنين الثالث والرابع الهجريين ، فانه برغم وجود أكثرية سنيّة في المنطقة (١) إلّا ان الشيعة كانت تتمتع بنفوذ وشأن قويين وكانت دعاة الشيعة منتشرة في مدن خراسان وقراها تدعو الناس إلى مذهب أهل البيت عليهمالسلام وكانت البيوتات والعوائل العلوية منتشرة في نيسابور وقراها وخاصة بمشهد الرضا عليهالسلام وكانت موضع احترام الجميع ، كما أنَّ مثوى الإِمام علي بن موسى الرضا ـ عليهالسلام ـ بطوس كان له تأثير معنوي قوي على انتشار الولاء والحُبّ لآل البيت عليهمالسلام ، فقد صار قبر الإمام مزاراً وقصده المسلمون ـ سنةً وشيعة ـ للتبرك وقضاء الحوائج ، فهذا أبو حاتم محمد بن حبّان البُستي ، من أعلام السُّنة ومن أئمة الجرح والتعديل حينما يتعرض لترجمة الإمام الرضا عليهالسلام يقول : «وقبره بسناباد خارج النوغان ، مشهورٌ يزار
__________________
(١) المذاهب التي كانت اتباعها منتشرة في طوس وأطرافها ، بل في عامة خراسان هي المذاهب الشيعية الثلاث أي الإِمامية ، والزيدية ، والإِسماعيلية ، ومن المذاهب السُّنية الأحناف ، والشوافع ، والظاهر عدم وجود قرائن تشير إلى وجود الحنابلة والمالكية في طوس. نعم توجد دلائل على نشاط الكرامية ووجودها في هذه المنطقة.