أبويه ـ يعني فيضلّه! ـ وبذلك كثرت تلامذته» (١) ، فلا بدّ أنّ المفيد فطن في هذا الشاب القادم من خراسان ذكاءً نادراً وقدرة هائلة على تلقي العلم ، فقرّبه إلى نفسه وربّاه خلال تلمذته عليه. ومراجعة سريعة للأجزاء الأولى من كتاب (تهذيب الأحكام في شرح المقنعة) الّذي صنّفه في حياة شيخه المفيد يدلّ على علمه وقدرته على التصنيف والتفريع وإرجاع الفروع إلى الأصول ، وهذا الكتاب دليلٌ على أنّ المفيد اختار من بين تلاميذه ـ وبينهم من هو أسنّ من الطوسي وأسبق في التلمذة ـ أقربهم إلى نفسه وأقدرهم على شرح كلماته. ولا حاجة للإطالة في الحديث عن عظمة الطوسي وعلوّ مقامه بل تكفي الإشارة إلى أنّ كتابه هذا والّذي ألّفه ولم يبلغ الثلاثين من عمره عدّ من يوم تأليفه إلى الآن أحد الأصول الأربعة الّذي يعوّل عليه الإمامية.
وينبغي التنبيه على نقطة هامة أُخرى إلا وهي أنّ الشيخ الطوسي لم يتخصص في فرع من فروع العلوم الإِسلامية ، بل استوعب جميعها وفاق فيها ، وقد انعكست هذه الميزة على مدرسته ، ويمكن لنا التركيز على المميزات الهامة لمدرسة الطوسي في بغداد وهي :
١ ـ تغييره للمنهجية التي كانت متبعةً عند الإمامية وهي المنهج والأسلوب الروائي حيث كان الحديث عماد أبحاثهم في الفقه والأُصول والتفسير وغيرها فقد أدخل الشيخ الطوسي عنصر العقل والأدلّة العقلية في تفسير الروايات ورفع التعارض بينها ، ومن الملفت أن اعتماده على العقل والأدلة العقلية لم يكن على حساب النقل أو التقليل من أهميته في
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٣٤٤.