__________________
ـ في الكتاب أو السنة رجع إلى الاجتهاد بدلا عن النص». و (الاجتهاد) هنا يعني التفكير الشخصي ، فالفقيه حيث لا يجد النص يرجع إلى تفكيره الخاصّ ويستلهمه ويبني على ما يرجح في الكتاب أو السنة ويستدل بهما معا ، كذلك يستند في حالات عدم توفر النص إلى الاجتهاد الشخصي ويستدل به. وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السني وعلى رأسها مدرسة أبي حنيفة ، ولقي في نفس الوقت معارضة شديدة من أئمة أهل البيت عليهمالسلام والفقهاء الذين ينتسبون إلى مدرستهم. وتتبع كلمة (الاجتهاد) يدل على أن الكلمة حملت هذا المعنى وكانت تستخدم للتعبير عنه منذ عصر الأئمة إلى القرن السابع ، فالروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام تذم الاجتهاد [وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب صفات القاضي] وتريد به ذلك المبدأ الفقهي الّذي يتخذ من التفكير الشخصي مصدرا من مصادر الحكم ، وقد دخلت الحملة ضد هذا المبدأ الفقهي دور التصنيف في عصر الأئمة أيضا والرّواة الذين حملوا آثارهم ، وكانت الحملة تستعمل كلمة (الاجتهاد) غالبا للتعبير عن ذلك المبدأ وفقا للمصطلح الّذي جاء في الروايات ، فقد صنف عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري كتابا أسماه «الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس» وصنف هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني [الدلفي] كتابا في الموضوع باسم كتاب «الرد على من رد آثار الرسول واعتمد نتائج العقول» وصنف في عصر الغيبة الصغرى أو قريبا منه إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل النوبختي كتابا في الرد على عيسى بن أبان في الاجتهاد ، كما نصّ على ذلك كله النجاشي صاحب الرّجال في ترجمة كل واحد من هؤلاء. وفي أعقاب الغيبة الصغرى نجد الصدوق في أواسط القرن الرابع يواصل تلك الحملة ، ونذكر له ـ على سبيل المثال ـ تعقيبه على قصة موسى والخضر إذ كتب يقول : «... فإذا لم يصلح موسى للاختيار ـ مع فضله ومحله ـ فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام وكيف يصلحون لاستنباط الأحكام الشرعية واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة؟!». وفي أواخر القرن الرابع يجيء الشيخ المفيد فيسير على نفس الخطّ ويهجم على الاجتهاد ويكتب كتابا في ذلك باسم «النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرّأي». ونجد المصطلح نفسه لدى السيد المرتضى في أوائل القرن الخامس إذ كتب في «الذريعة» يذم الاجتهاد ويقول : «إن الاجتهاد باطل ، وإن الإمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن ولا الرّأي ولا الاجتهاد» ، واستمر هذا الاصطلاح في كلمة (الاجتهاد) بعد ذلك أيضا فالشيخ الطوسي الّذي توفي في أواسط القرن الخامس يكتب في كتاب «العدة» قائلا : «وأما القياس والاجتهاد فعندنا أنهما ليسا بدليلين ، بل محظور في الشريعة استعمالهما» وفي أواخر القرن السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البينتين من كتابه «السرائر» عددا من المرجحات لإحدى البينتين على الأخرى ثم يعقب ذلك قائلا : «والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا». وهكذا تدل هذه النصوص بتعاقبها التاريخي المتتابع على أن كلمة (الاجتهاد) كانت تعبيرا عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدم إلى أوائل القرن السابع ، وعلى هذا الأساس اكتسبت