ذراريهم ، وحرمهم ، واستباحة أموالهم ؛ فنصب لهم الحرب ونصبوا له ، وقتل من عليهم وأعلامهم وأعمامهم وبنى أعمامهم ؛ وهو فى ذلك يحتجّ عليهم بأن يأتوا بسورة واحدة وآيات يسيرة ؛ إذ هى أنقض لقوله ، وأفسد لأمره ، وأبلغ فى تكذيبه ، وأسرع فى تفريق أتباعه من بذل نفوسهم وخروجهم من أوطانهم ، مع أنهم أشدّ الخلق أنفة ، وأكثرهم مفاخرة ؛ والكلام سيّد عملهم ؛ فحين لم يجدوا حيلة ولا حجّة قالوا له : أنت تعرف من حال الأمم ما لا نعرف ؛ فلذلك يمكنك ما لا يمكننا. فقال لهم : هاتوها مفتريات لتبكيتهم ؛ فلم يرم ذلك خطيب ، ولا طمع فيه شاعر ، ولا طبع (١) منه أو تكلّفة ، ولو تكلّفه لظهر ذلك ، ولو ظهر لوجد من يستجيره ويحميه ، نصرة لدينهم ؛ بل أظهر الله دينه ، وخرق العادة فى أسلوب كلامه وبلاغته وحلاوته ، حتى التذوا بسماعه ألذّ من أهل اللهو فى لهوهم ، وأبقى ذلك فيه إلى صفحات الدهر ليراها ذوو البصائر ، كما قال صلىاللهعليهوسلم (٢) : ما من الأنبياء نبىء (٣) إلّا أعطى [من الآيات](٤) ما مثله آمن عليه البشر ؛ وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه (٥) إلىّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.
فصلوات الله وسلامه على هذا النبىّ الكريم الذى أدّى الأمانة ، ونصح أمّته إلى رشدهم وهدايتهم ؛ فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ورضى الله تعالى عن أصحابه وأتباعه الذين نصروه بأنفسهم وأموالهم.
أما بعد فإنّ إطلاق السّلف رضى الله عنهم على كلام الله أنه محفوظ فى الصّدور ، مقروء بالألسنة ، مكتوب فى المصاحف هو بطريق الحقيقة [٢]
__________________
(١) من طبع الدرهم والسيف وغيرهما : صاغه.
(٢) صحيح مسلم : ١٣٤
(٣) فى مسلم : من نبى
(٤) من مسلم.
(٥) فى مسلم : أوحى الله إلى.