لهذا أصبحت تلك الانظار الثمينة من الكنوز الدفينة لا يهتدي اليها إلا من ترعرع على تربية شيخنا الاستاذ أو توسع في النظر في هذه الفنون وهذا هو الذي حملني على تحرير تقريري لدروسه ومحاضراته التي تلقيتها منه شفاها في حلقة تدريسه وغيرها لأجتلى أسرار أنظاره الخفية بشيء من العبائر الجلية خدمة مني للعلم واهله وبرا بالاستاذ واظهارا لفضله وقد رتبت هذا الكتاب على مقدمة ومقاصد وخاتمة.
(أما المقدمة) ففي بيان امور (الأول) في تعريف العلم وموضوعه وفائدته ورتبته.
(وتوضيح هذه الامور الاربعة يتحقق في جهات)
(الجهة الأولى) لا يخفى أن لفظ العلم كثيرا ما يطلق ويراد به أحد معنيين (الأول) هو معناه الأولي الحقيقي أعني به انكشاف الواقع للنفس الذي يمكن انقسامه الى التصور والتصديق في نظر الفن (والثاني) هي القواعد الممهدة لتحصيل الفوائد المترتبة عليها وبالاعتبار الثاني يطلق لفظ العلم على مثل علم النحو والصرف والأصول وغيرها وبهذا الاعتبار يتعلق به العلم بالمعنى الأول والجهل فيقال فلان يعلم علم النحو مثلا أو لا يعلم علم المنطق وبهذا الاعتبار أيضا يقال الأمر الفلاني موضوع علم كذا والمسألة الفلانية من مسائل علم كذا وهكذا لو قيل مثلا فائدة علم النحو هو صون اللسان عن الخطأ في المقال فانه يراد بها الفائدة التي لا تنفك عن تلك القواعد بحسب العادة فالعلم بهذا المعنى هي القواعد أي القضايا المتشتتة ذاتا التي يجمعها تدوينا واعتبارا غرض واحد (ومما) ذكرنا ظهر اعتبار الموضوع في القضايا التي هي القواعد الممهدة وقد يظهر من كلام بعض الحكماء أن العلم بالمعنى الثاني هي المحمولات المنتسبة وهو يشعر بخروج موضوعات القضايا عن نظام العلم بالاعتبار الثاني ولا يخفى ما فيه لوضوح أن الموضوعات مقومة للقضايا كالمحمولات والقضايا بأجزائها تكون من قوام العلم بالاعتبار الثاني.
(الجهة الثانية) قد اشتهر أن فائدة الشيء هو ما يترتب على وجوده في الخارج بحسب العادة وعليه فقد يعترض الاشكال في صحة تطبيق هذه الكبرى على بعض