وفي باب (ذكر أحكام الهبة) قال :
«الهبة على ضربين : هبة لذوي الرحم ، وهبة للأجنبي. وهبة ذوي الأرحام على ضربين : مقبوضة وغير مقبوضة ، فالمقبوضة لا يجوز الرجوع فيها ، وهي على ضربين : مقبوض بيد الموهوب له ومقبوض بيد وليِّه إذا كان صغيراً ، وكلاهما لا يجوز الرجوع فيه. وغير المقبوض يجوز الرجوع فيه.
والهبة للأجنبي على ضربين : هبة ما يستهلك وهبة غيره ، فما كان ممّا يستهلك كالمواكيل فلا رجوع فيه ، وما لم يكن من ذلك فعلى ضربين : معوّض عنه وغير معوّض عنه ، فما عوّض عنه لا يجوز الرجوع فيه ، وما لم يعوّض عنه فله الرجوع وإن كان مكروهاً»(١).
وهذا المنهج يعطي المخاطَب صفة الإلزام الشرعي التكليفي من حرمة أو كراهية أو وجوب أو استحباب أو إباحة ، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الفقهاء في القرن الخامس الهجري كانوا يتحدّثون بابتلاءات زمانهم ، فالحديث عن بيع الماء في كتب الفقه يعكس قضية اجتماعية كان يعيشها ذلك الزمان من حيث قلّة الموارد المائية وصعوبة نقلها إن وجدت ، فلذلك كانت المشكلة : هل يجوز بيع الماء أو لا يجوز؟ والأصل في المسألة هوليس أجرة الماء ذاتها إنّما هي أجرة نقله أو استخراجه. وكذلك الأمر في الهبة ، فلمّا إزدادت الخيرات أصبحت أحكام الهبة مورد ابتلاء الناس من حيث التصرّف بها ، أو إن كانت لذي رحم أو أجنبي ؛ ولذلك كان كتاب المراسم العلوية مرآةً لوضع ذلك الزمان ومشكلاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المراسم العلوية : ٢٠٢.