موضوع العلم
اعلم أنّه لمّا كان دأب أرباب العلوم قبل الشّروع في العلم بيان موضوع العلم ليكون المتعلّم على بصيرة منه فنحن أيضا نحذو حذوهم ونقتفي أثرهم. فنقول تقريرا لكلام مولانا الأجلّ : إنّ علماء الميزان وأصحاب المنطق من المتقدّمين والمتأخّرين قد تسالموا على أمرين : أحدهما أنّ موضوع كلّ علم هو الّذي يبحث فيه عن عوارضه الذّاتيّة. ثانيهما أنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات. وهذان الأمران أرسلوهما إرسال المسلّمات.
وهاهنا شيء آخر قد تسالم عليه خصوص أصحاب علم الأصول من السّابقين الأوّلين وهو : أنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هي أدلّة وبما أنّها متّصفة بهذا الوصف العنوانيّ.
فأورد على هذا الأمر الأخير بعض أعلام الأصول بأنّ عمدة ما يبحث في الأصول من المسائل ـ مثل حجّية الخبر ومباحث التّعادل والتّراجيح وأمثال ذلك ـ لا تكاد تكون من جملة المسائل على هذا الفرض بل تكون من المبادئ لأنّ الحجّية تكون حينئذ من مقوّمات الموضوع فالبحث عن حجّية الحجّة يرجع إلى البحث عن موضوعيّة الموضوع.
ودفعا لهذا الإشكال فقد قال : إنّ الموضوع في علم الأصول ذوات الأدلّة لا بما هي متّصفة بهذا الوصف وبذلك يكون البحث عن حجّية الخبر ونظائره بحثا عن العوارض الذّاتيّة فإنّ الخبر من السّنّة وهي الموضوع حقيقة واتّصافها بالحجّيّة من العوارض الذّاتيّة لها فمباحث الحجّيّة تدخل كلّها في المسائل.
وأورد على هذا الكلام أيضا بأنّ حجيّة الخبر لا تعدّ من عوارض السّنّة بل تكون من عوارض الخبر الواحد والخبر بما هو خبر لا يكون موضوعا للعلم فيخرج مباحث الحجيّة عن جملة المسائل أيضا.