وجوابي أن العبرة بالكيف لا بالكم ، وبعدد القراء المنتفعين لا بتكثير الصفحات وأرقامها ، وكل كتاب غير مقروء فهو والمدفون بمنزلة سواء حتى ولو كانت كلماته آيات تهدي للتي هي أقوم. وفي طاقتي أن ألخص وأوضح كل ما في القوانين والفصول وتقريرات الانصاري والنائيني وحاشية التقي ، وكل ما جاء في المستصفى وفواتح الرحموت وجامع الجوامع وشروحه والتحرير وكشف الأسرار الذي يشبه في طوله وعرضه الغدير والبحار ... الى غير ذلك من المجلدات والأسفار.
ولكن من يقرأ؟ وإذا وجد قارئ فأية جدوى من قراءة ما لا رابط بينه وبين الفقه والعلم ولو بمقدار حبة خردل.
ثم أنا بدوري أسأل هذا القائل : هل تعرف الآن لهذه الكتب الضخام من قراء؟ وكم هو عددهم؟ وهل أنت أحدهم؟ ان كتابي هذا يتشوق كثيرا إلى القراء من كل صنف ، وبالخصوص أولادنا وشبابنا الذين ستكون لهم الكلمة الأولى في الدين غدا أو بعد غد ، وأتمنى أن يشتاقوا لكتابي كما يشتاق اليهم ، وهل من سبيل الى التشويق والترغيب سوى التركيز والوضوح والاختصار؟
أنا أعرف الشباب ومقدار رغبتهم في المطالعة والمراجعة ، وأعرف أن الكثير منهم يكتفي من الكتاب بتقليب صفحاته دون أن يقرأ ويتأمل ، ثم يلقيه جانبا ، أنا أعرف ذلك ، وتعلمت من معرفتي كيف أحتال لتشويقهم الى قراءة ما أكتب ... انهم يريدون فكرة صافية ، ولغة واضحة ، وسرعة نافعة ، لأنهم يضنّون بالجهد والوقت ، فألقيت الحجة عليهم بمنطقهم ، بهذا المختصر الواضح النافع ان شاء الله.
أجل ، انه لواضح ـ كما هو في ظني وتصوري ـ ولكني تعلمت من تجربتي الطويلة الدائبة أن طريق العلم ، أي علم ، صعب بطبيعته تماما كالجهاد في ميدان القتال ، وان صعوبته لا تهون أو تتحطم إلا على صخرة الصبر والجلد ، وانه لا فرق في ذلك بين علم وعلم سوى أن هذا صعب وذاك أصعب ، ولكن يبقى للأسلوب أثره البالغ في التقريب والتمهيد ، وقد تدعو الحاجة وتلح على التيسير والتسهيل ، وعندئذ يتحول الشكل والأسلوب من الوسيلة الى هذه الغاية ، وهي القصد الأول من كل ما كتبت وألّفت في الفقه وأصوله.
وله الحمد والشكر على ما أنعم ، وهو سبحانه المسئول أن يزيدني مما هو أهله. والصلاة على محمد وأهل بيته الطاهرين.