قيل أن يطرح الفكرة بوضوح ، أو قبل أن يعرف الطالب ما ذا قيل ويقال ـ أما هذا الأسلوب الخانق فتتلاشى معه رغبة التلميذ وتتبخر مع الريح ، ويرى الدرس جحيما ، وييأس منه ومن فهمه.
يقرأ الطالب النجفي أو القمي من علم الأصول كتاب : المعالم ، والكفاية ، والكتاب المعروف (بالرسائل) ، ويمضي في ذلك سنوات خمسا أو أكثر أو أدنى من ذلك ، وتنعكس في مخيلته بعض الصور عن أصول الفقه. وقد يترك الدرس لسبب أو لآخر ، فتذهب تلك الصور مع الأيام اذا لم يتابع المطالعة والمراجعة. ولو كان قد أتيح له أستاذ معاصر بالمعنى المراد طوال المدة التي قضاها مع الكتب الثلاثة لاختزن عقله الكثير مما استمع اليه وانتفع به من قبل. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
اقرأ على مهل
وأكثر ما في هذه الصفحات من وحي ما قرأته في الكتب الصعبة وهوامشها ، لا من وحي ما سمعت وكفى .. قرأت الكثير الكثير ، وأنا مدين بكل ما كتبت ونشرت لكل من قرأت حتى لأهل الطلاسم والألغاز ، وكنت وما زلت اذا صادفتني كلمة مطلسمة وعبارة مظلمة أصبر عليها صبر العاشق الولهان .. ولا أفر منها ، ولا استسلم لوصيدها وتعقيدها ، وإذا لم أبلغ منها ما أريد تركتها يوما أو بعض يوم ، ثم أسرع الكرّة عليها المرة تلو المرة حتى أفهم ، ومتى فهمت سخرت من نفسي كيف تبلدت مع أن العبارة لم تكن صعبة كما كنت أتصور!
وأخيرا تعلمت من تجربتي أن ما من أحد يتعمد الفهم والعلم إلا ويأخذ منه بطرف. قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : من طلب شيئا ناله أو بعضه. ونصيحتي لكل قارئ وطالب أن يقرأ على مهل ، ولا يتعجل النهاية ، وأن يصبر ولا ييأس وان طال به الأمد. وهذا أول درس في طريق النجاح.
العبرة بالكيف لا بالكم
ربما يقول قائل بنية صالحة أو طالحة : لو كان الكتاب أضخم لكان أعز وأكرم.