أفضل من كلّ من لا يكون نبيّا ، ولو من سائر الأمم حتّى أوصياء خاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله.
والحاصل : أنّ القائل بأفضليّة عليّ عليهالسلام لم يكن منحصرا بذلك الفاضل الحمصي ، بل هو قول جميع علماء الإماميّة ، بل يمكن دعوى كونه من ضروريّات مذهبهم.
ثمّ أنّ في واقعة المباهلة دلالة واضحة على صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وصحّة نبوّته ، لوضوح أنّه صلىاللهعليهوآله كان أعقل النّاس ، وأنّه أقدم على المباهلة وخوّف النّصارى بنزول العذاب عليهم بدعائه ، فلو لم يكن قاطعا بنبوّته ، لكان ذلك منه سعيا في ظهور كذبه ، ونقض غرضه ، وإهلاك نفسه ، حيث إنّ النّصارى إن كانوا أقدموا على المباهلة ورأوا أنّه لم ينزل عليهم العذاب ، كان يتّضح عندهم كذبه صلىاللهعليهوآله وفضاحته بين النّاس ، مع أنّه لا شبهة أنّ القوم تركوا مباهلته ، فلو لم يظهر لهم نبوّته ، لم يمكن عادة امتناعهم عن مباهلته ، مع شدّة إصرارهم على تكذيبه ، وإبطال دعواه.
﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٢) و(٦٣)﴾
ثمّ أكّد الله سبحانه الحجج التي أقامها على النّصارى بقوله : ﴿إِنَّ هذا﴾ المذكور من نبأ عيسى وأمّه ، وكونهما مخلوقين لله وعبديه ، ومن الأدلّة المفصّلة عليها ﴿لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ﴾ والبيانات المقرونة بالصّدق والصّواب التي نتيجتها قوله : ﴿وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ﴾ وحده لا شريك له ، ولا ولد ﴿وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب على كلّ شيء ، القادر على جميع ما يريد ﴿الْحَكِيمُ﴾ العالم بجميع الأمور وعواقبها ، وبحكم كافّة الأشياء ومصالحها ، لا يشابهه غيره في القدرة والحكمة حتّى يشاركة في الألوهيّة.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ وأعرضوا عن قبول الإسلام ، واستنكفوا عن الاعتراف بتوحيد الله ورسالتك ، فاعلم أنّه ليس ذلك التّولّي إلّا عن العناد وإرادة الفساد ، فإذن لا تبال بهم ، ولا تحزن عليهم ، وأعرض عنهم ، واقطع الكلام معهم ، وفوّض أمرهم إلى الله ﴿فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ مطّلع على خبث ذاتهم وسوء نيّاتهم ، خبير بأهوائهم الزّائغة وأغراضهم الفاسدة ، قادر على مجازاتهم بأسوأ الجزاء. وفي ذكر اسم الجلالة ، تربية الرّوعة والمهابة.
﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)﴾