تحوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة - : ﴿آمِنُوا﴾ في الظّاهر بألسنتكم ﴿بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمّد ، من تحويل القبلة ، وقولوا بأفواهكم : إنّه الحقّ ، وصلّوا إليها ﴿وَجْهَ النَّهارِ﴾ وفي أوّله.
وعن العيّاشي : وهو صلاة الصّبح (١) ، حتّى يعتقد المؤمنون أنّكم اعتقدتم عن صميم القلب ﴿وَاكْفُرُوا﴾ به وتجاهروا بإنكاره وصلّوا إلى الصّخرة ﴿آخِرَهُ﴾
عبّاس (٢) - كي يكون ذلك سببا لوقوع الشّبهة في قلوبهم بأن يقولوا في أنفسهم : إنّ اليهود أعلم منّا ، فآمنوا بالتّحويل من غير تأمّل وغرض ، ثمّ بعد التّامّل والتّفكّر ظهر لهم بطلانه فرجعوا ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ بهذه الشّبهة ﴿يَرْجِعُونَ﴾ عن الإيمان بمحمّد ، وبتحويل القبلة.
وقيل : كانت الطّائفة اثني عشر رجلا من أحبار خيبر ، حيث تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أوّل النّهار ، ويقولوا آخره : نظرنا في كتابنا ، وشاورنا علماءنا ، فلم نجد محمّدا بالنّعت الذي ورد في التّوراة ، لعلّ أصحابه يشكّون فيه (٣) .
﴿وَ﴾ قالوا لأتباعهم ، ووصّوا إليهم بأن ﴿لا تُؤْمِنُوا﴾ إيمانا واقعيّا ، ولا تصدّقوا عن صميم القلب لأحد ﴿إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ من اليهود ، لا لمن تبع دين محمّد من المسلمين.
قيل : إنّ المراد : لا تظهروا الإيمان وجه النّهار إلّا للمسلمين الّذين كانوا على دينكم من قبل ، فإنّ رجوعهم أرجى وأهمّ (٤) .
وفي الإخبار بهذه الأسرار الخفيّة معجزة ظاهرة للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وحفظ قلوب المؤمنين عن الشّكّ ، وردع المنافقين عن السّعي في إلقاء الشّبهات.
ثمّ لما سمّوا طريقتهم الباطلة بالدّين والهداية ردّهم الله بقوله : ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدى﴾ والدّين ﴿هُدَى اللهِ﴾ ودينه ، لا مذهب اليهوديّة. أو المراد : قل لهم إنّ الهداية والتّوفيق هداية الله وتوفيقه ، يهدي بها من يشاء إلى الإيمان ، ويثيبه عليه ، ولا يضرّه كيدكم وحيلكم.
ثمّ إنّ الأظهر أنّه تعالى - بعد الجملة الاعتراضيّة التي جاء بها ، لشدّة الاهتمام بالتّنبيه بها - عاد إلى حكاية بقيّة كلام الرؤساء لاتباعهم ، وكأنّهم قالوا لهم : ولا تؤمنوا ﴿أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ﴾ من العرب أو غيرهم ﴿مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ﴾ من المعجزات ، والكتاب ، والأحكام ، والعلوم ، فإنّ ذلك من المحالات غير
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٩٤ عن ابن عبّاس ، ولم نعثر عليه في تفسير العياشي.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٩٤.
(٣) تفسير البيضاوي ١ : ١٦٥ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٤٩.
(٤) تفسير البيضاوي ١ : ١٦٥ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٤٩.