القابلة للتّصديق ﴿أَوْ﴾ أنّ المسلمين ﴿يُحاجُّوكُمْ﴾ ويغلبوا عليكم ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يوم القيامة ، فاثبتوا بغاية الثّبات على دينكم ، فإنّه غير منسوخ. وفي الآية احتمالات اخر يكون التكلّف فيها أكثر.
ثمّ رد الله عليهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿إِنَّ الْفَضْلَ﴾ من النّبوّة ، والعلم ، والكتاب ، والهداية ، والتّوفيق أمره ﴿بِيَدِ اللهِ﴾ وإرادته ومشيئته وقدرته ﴿يُؤْتِيهِ﴾ ويصيب به ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ من عباده على حسب قابليّته وكمال وجوده ، ولا يختصّ بطائفة خاصّة وأشخاص مخصوصة ﴿وَاللهُ واسِعٌ﴾ قدرة ورحمة وفضلا ﴿عَلِيمٌ﴾ باستحقاقات الخلائق وقابليّاتهم ، ومطّلع على جميع مصالح الأمور ومفاسدها.
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾
ثمّ أكّد سبحانه سعة قدرته وفضله بقوله : ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ من نعمه وكرامته ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ إنعامه وإكرامه ، قيل : إنّ الرّحمة أعلى من الفضل ﴿وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ بحيث لا نفاد لفضله ، ولا نهاية لكرمه.
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ
لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ
سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)﴾
ثمّ لمّا كان أهل الكتاب مدّعين أولويّتهم بمنصب النّبوة من غيرهم من العرب ، نفى الله أهليتهم له ، بكون غير المسلمين منهم خائنين في أموال النّاس ، بقوله : ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ كعبد الله بن سلام ، وأضرابه من المؤمنين منهم ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ﴾ قيل : هو كناية عن المال الكثير ﴿يُؤَدِّهِ﴾ ويردّه ﴿إِلَيْكَ﴾ ولا يخونه (١) شيئا.
عن ابن عبّاس : أودع رجل عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقيّة ذهبا ، فأدّاه إليه (٢) .
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ﴾ قيل : هو كناية عن المال القليل ﴿لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ ويخونك فيه ، في أي وقت من الأوقات ، وأي حال من الأحوال ﴿إِلَّا ما دُمْتَ﴾ من حين التّأمين ﴿عَلَيْهِ قائِماً﴾ وله ملازما ، لا تفارقه في وقت أو حال. قيل : هو كناية عن المبالغة في المطالبة والتّشديد فيها.
عن ابن عبّاس : أنّ فنخاص بن عازورا استودعه رجل قرشيّ دينارا فجحده (٣) .
__________________
(١) خان المال : نقصه.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٠٠.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٠٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ١٦٦ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٥٠.