وقيل : إنّ المراد من المأمونين : النّصارى ، ومن الخائنين : اليهود ، لكون الغالب فيهم الخيانة (١).
ثمّ ذكر سبحانه علّة خيانتهم بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ العمل القبيح من الخيانة ، وترك أداء الأمانة وشيوعه فيهم ، معلّل ﴿بِأَنَّهُمْ قالُوا﴾ تعصّبا وعنادا وغرورا : ﴿لَيْسَ عَلَيْنا فِي﴾ شأن ﴿الْأُمِّيِّينَ﴾ والعرب الذين ليسوا من أهل العلم والكتاب ﴿سَبِيلٌ﴾ ومؤاخذة وعتاب من الله. روي أنّ اليهود بايعوا رجالا في الجاهليّة ، فلمّا أسلموا طالبوهم بالأموال ، فقالوا : ليس لكم علينا حقّ ؛ لأنّكم تركتم دينكم (٢).
﴿وَ﴾ هم لخبث ذاتهم ﴿يَقُولُونَ﴾ ويفترون ﴿عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ حيث إنّهم كانوا ينسبون هذا القول الباطل إلى التوراة ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنّ هذا القول والنّسبة كذب وفرية.
في وجوب ردّ الأمانة ولو إلى الكافر
روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهليّة إلّا وهو تحت قدمي ، إلّا الأمانة فإنّها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر » (٣) .
أقول : فيه دلالة على وجوب ردّ الأمانة ، ولو إلى الكافر الحربي غير المحترم المال.
ويعاضده روايات أخر ، وقد عمل بها الأصحاب ، وادّعي عليه الشّهرة ، ونسب قول أبي الصّلاح - القائل بعدم الوجوب - إلى الشّذود (٤) .
﴿بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)﴾
ثمّ لمّا كان هذا الافتراء مبنيّا على ادّعائهم أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه ، ردّ الله عليهم بقوله : ﴿بَلى﴾ عليكم في الأمّيين سبيل ، ولستم أحبّاء الله ، إنّما أحبّاؤه كلّ ﴿مَنْ أَوْفى﴾ وعمل ﴿بِعَهْدِهِ﴾ وتكاليفه وأحكامه ﴿وَاتَّقى﴾ الشّرك والخيانة في الأمانة ﴿فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ويثيب المتحرّزين عن الخيانة ونقض العهود.
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق ، حتّى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، [ وإذا خاصم فجر ] » (٥) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٥٠.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٠٢.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٠٢.
(٤) راجع مفتاح الكرامة ٦ : ٤٠ ، جواهر الكلام ٢٧ : ١٢٤.
(٥) تفسير روح البيان ٢ : ٥٢.