عِباداً﴾ خاضعين منقادين ﴿لِي﴾ وأطيعوني ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ قيل : إنّ المراد : متجاوزين الله في العبادة.
روي أنّ أبا رافع القرظيّ ، والسيّد النجراني قالا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : أتريد أن نعبدك ونتّخذك ربّا ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « معاذ الله أن نعبد غير الله ، وأن نأمر بعباده غيره » (١) فنزلت [ الآية ] .
ونقل أنّه قال رجل من المسلمين : يا رسول الله ، نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيّكم ، واعرفوا الحقّ لأهله » (٢) .
أقول : يمكن كون مرجع ضمير ( أهله ) هو النبيّ ، لا ( الحقّ ) فيكون أمرا بمعرفة آله بالولاية ، ووجوب الطّاعة.
﴿وَلكِنْ﴾ البشر العالم المعلّم للخلق ، يقول لهم : ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ والعلماء الكاملين في معرفة الله ، المتمسّكين بدينه ، القائمين بطاعته ، المقبلين على عبادته ، وذلك الاهتمام في العلم والعمل ﴿بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ﴾ النّاس ﴿الْكِتابَ﴾ السّماوي المشحون بالمعارف والحكم والأحكام ﴿وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ كتاب الله وتقرأونه ، فإنّ دراسة كتاب الله وتلاوته - التي هي ذريعة المعرفة والعمل ، والتّصدي لتربية الخلق وتكميلهم - سبب لاهتمام المربّي بتربية نفسه. وإنّما قدّم التّعليم على الدّراسة لشرفه عليها.
﴿وَلا﴾ يصلح أنّه ﴿يَأْمُرَكُمْ﴾ ويبعثكم ذلك البشر المبعوث لهداية النّاس إلى ﴿أَنْ تَتَّخِذُوا﴾ وتختاروا لأنفسكم ﴿الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً﴾ وآلهة معبودين من دون الله كمشركي العرب والصّابئين حيث قالوا بأنّ الملائكة بنات الله ، وكاليهود حيث قالوا بأنّ العزير ابن الله ، وكالنّصارى حيث قالوا بأنّ المسيح ثالث ثلاثة ، أو ابن الله.
ثمّ لإظهار غاية شناعة نسبة هذه الأمور إلى النبيّ العارف بالله حقّ معرفته ، بل امتناع وقوعها منه ، أنكر سبحانه على القائلين بها بقوله : ﴿أَيَأْمُرُكُمْ﴾ النبيّ الدّاعي إلى الإسلام والتّوحيد ﴿بِالْكُفْرِ﴾ والشّرك ، لا سيّما ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ موحّدون.
قيل : فيه دلالة على أنّ المخاطبين كانوا مسلمين ، [ وهم ] الذين استأذنوا الرّسول صلىاللهعليهوآله [ في ] أن يسجدوا له (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٠٩ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٥٢.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٥٢.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١١٣.