حوله ، لتحصيلهم بهذه الأعمال تكفير الذّنوب ، والثّواب العظيم ، ونفي الفقر ، وسعة الرّزق ﴿وَ﴾ كونه ﴿هُدىً﴾ ورشادا إلى رضوان الله ومعرفته ؛ ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ لأنّه قبلتهم ومعبدهم.
وفيه آيات عجيبة دالّة على عظيم قدرته ، وسعة حكمته ، كما نبّه عليه بقوله : ﴿فِيهِ آياتٌ﴾ كثيرة ﴿بَيِّناتٌ﴾ وشواهد واضحات على عظمة قدرته ، كانحراف الطّيور عن موازاته مدى الأعصار ، ومخالطة ضواري السّباع الطيور (١) في الحرم من غير تعرّض لها لحرمته ، وقهر الله لكلّ جبّار قصده بسوء ، كاصحاب الفيل.
وقيل : إنّ المراد من الآيات العديدة هو ﴿مَقامُ إِبْراهِيمَ﴾ لكونه بمنزلة الآيات الكثيرة ، لظهور شأنه وقوّة دلالته على قدرة الله ونبوّة إبراهيم ، وعظمة شأنه وشأن البيت.
ثمّ ذكر سبحانه من فضائله وفضائل البيت كونه آمنا ، بقوله : ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ من التّعرّض له بحرمته في نفسه ، ولدعاء إبراهيم عليهالسلام بقوله : ﴿رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً﴾(٢) قيل : إنّ من سكن مكّة أمن من النّهب والغارة.
وقد مرّ في سورة البقرة ذكر روايات دالّة على أنّ المراد كونه آمنا من عذاب الآخرة (٣) .
وفي الحديث : « من مات في أحد الحرمين ، بعث يوم القيامة آمنا » (٤) .
وعنه صلىاللهعليهوآله : « الحجون (٥) والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينشران في الجنّة » (٦) .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه : وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله على ثنيّة (٧) الحجون ، وليس بها يومئذ مقبرة فقال : « يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر ، يدخلون الجنّة بغير حساب ، يشفع كلّ واحد منهم في سبعين ألفا » (٨) الخبر.
وعنه صلىاللهعليهوآله : « من صبر على حرّ مكّة ساعة من نهار ، تباعدت عنه جهنّم مسيرة مائتي عام » (٩).
ولا يذهب عليك أنّ الأمان من العذاب مختصّ بالعصاة من أهل الإيمان ، لدلالة الأدلّة القطعيّة ، وقيام الضّرورة على أنّ الكفّار ، ومن في حكمهم من منكري الولاية وظالمي آل محمّد عليهمالسلام ، خالدين فيه ، ولو كانوا مدفونين في مكّة أو مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
وفي ( العلل ) : عن الصادق عليهالسلام أنّه قال لأبي حنيفة : « أخبرني عن قول الله : ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ أين ذلك من الأرض ؟ » قال : الكعبة قال : « أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على
__________________
(١) في النسخة : الصيود ، وما أثبتناه من روح البيان ٢ : ٦٧.
(٢) البقرة : ٢ / ١٢٦.
(٣) راجع تفسير الآية.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٦٨.
(٥) الحجون : جبل بمكّة.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ٦٨.
(٧) الثّنيّة : الطريق في الجبل.
(٨) تفسير روح البيان ٢ : ٦٨.
(٩) تفسير الرازي ٨ : ١٥١.