أقول : بل الأظهر اعتبار عوده إلى الكفاية ، فمن كان له ما يكفيه للذّهاب والإياب ، ولمونة عياله في سفره ، ولكن إذا رجع لا يمكنه الإعاشة إلّا بالعسر والذّلّة ، لا يجب عليه الحجّ ، لعدم صدق ( المستطيع ) عليه عرفا ، ولنفي العسر والحرح شرعا ، ولمنافاته لسماحة الدّين وسهولته.
وما عن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل ما السّبيل ؟ قال : « أن يكون له ما يحجّ » قال : قلت : من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك ، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا ؟ قال : « نعم ، ما شأنه يستحي ! ولو يحجّ على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحجّ » (١).
وفي رواية : « يخرج ويمشي إن لم يكن عنده » . قيل : لا يقدر على المشي ؟ قال : « يمشي ويركب» .
قيل : لا يقدر على ذلك ؟ قال : « يخدم القوم ، ويخرج معهم » (٢) فمحمول على الاستحباب على الأظهر.
في ذكر وجوه دلالة الآية على تأكّد وجوب الحجّ
ثمّ بالغ سبحانه في تأكيد الوجوب بالتّهديد الشّديد على تركه ، بقوله : ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ وترك ذلك الواجب المهمّ ، مع القدرة عليه ﴿فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ﴾ عنه و﴿عَنِ الْعالَمِينَ﴾ وعن جميع ما في السّماوات والأرضين ، فلا يحتاج إلى حجّكم وعباداتكم.
وفي التّعبير عن ترك الحجّ ب ( من كفر ) تنبيه على أنّهما - في خبث الذّات ، وشناعة العمل ، وشدّة العقوبة - واحد. وفي ذكر الغناء عنه إشعار بغاية الإعراض عنه ، ونهاية السّخط عليه.
وعن الصادق عليهالسلام ، ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ قال : « يعني : من ترك » (٣) ، وفي رواية ، قال : « هو كفر النّعم (٤) » .
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : قال : ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ أي جحد فرض الحجّ ، أنّه ليس بواجب.
وعن سعيد بن المسيّب : نزلت في اليهود ، قالوا : الحجّ ليس بواجب (٥) .
وفي ( الفقيه ) : في وصيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : « يا عليّ ، تارك الحجّ وهو مستطيع كافر ، قال الله تعالى : ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ﴾ يا عليّ ، من سوّف الحجّ حتّى يموت بعثه الله (٦) يهوديّا أو نصرانيّا » (٧) .
وعنه صلىاللهعليهوآله قال : « من لم تحبسه حاجة ظاهرة ، أو مرض حابس ، أو سلطان جائر ، ولم يحجّ ، فليمت (٨) يهوديّا أو نصرانيّا » (٩) .
وعن ( الكافي ) و( التهذيب ) : عن الصادق عليهالسلام : « من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ، ولم يمنعه من
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ / ١ عن الباقر ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٤.
(٢) تفسير الصافي ١ : ٣٣٤. (٣) التهذيب ٥ : ١٨ / ٥٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٥.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٣٣٢ / ٧٥٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٥.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٢. (٦) زاد في المصدر : يوم القيامة.
(٧) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٦٦ / ٨٢٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٤.
(٨) زاد في تفسير روح البيان : إن شاء. (٩) تفسير روح البيان ٢ : ٦٨.