ذلك حاجة تجحف ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديّا أو نصرانيّا » (١) .
روي أنّه لمّا نزل صدر الآية ، جمع رسول الله صلىاللهعليهوآله أرباب الملل (٢) ، فخطبهم فقال : « إنّ الله كتب عليكم الحجّ فحجّوا » فآمنت به ملّة واحدة ، وهم المسلمون ، وكفرت به خمس ملل ، فنزلت [ الآية ](٣) .
قيل : لقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بأمر الحجّ ، والتّشديد على تاركه ما لا مزيد عليه ، حيث أوثرت صيغة الخبر الدالّة على التحقّق ، وابرزت في صورة الجملة الاسميّة الدالّة على الثّبات والاستمرار ، على وجه يفيد أنّه حقّ واجب لله تعالى في ذم النّاس ، لا انفكاك لهم عن أدائه والخروج عن عهدته.
وسلك بهم أوّلا مسلك التعميم ، ثم التّخصيص والإبهام ثانيا ، ثمّ التّبيين والإجمال ثالثا ، ثمّ التّفصيل ، لما في ذلك من مزيد تحقيق وتقرير ، وعبّر عن تركه بالكفر ، وجعل جزاءه استغناءه تعالى المؤذن بشدّة المقت وعظيم السّخط ، لا من تاركه فقط - فإنّه قد ضرب عنه صفحا ، إسقاطا له عن درجة الاعتبار ، واستهجانا بذكره - بل من جميع العالمين ممّن فعل وترك ، ليدلّ على نهاية شدّة الغضب (٤) .
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : « حجّوا قبل أن لا تحجّوا ، فإنّه قد هدم البيت مرّتين ، ويرفع إلى السّماء في الثالثة » . وروي عنه صلىاللهعليهوآله ، قال : « حجّوا قبل أن يمنع البرّ جانبه » (٥) .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه : حجّوا هذا البيت قبل أن ينبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابّة إلّا نفقت (٦) .
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : « لو ترك النّاس الحجّ عاما واحدا ما نوظروا » (٧) .
﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما أزال الشّبهات ، ونبّه على ما في البيت من الآيات البيّنات ، وجحد أهل الكتاب جميعها ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يلومهم على ذلك بلسان ليّن ، بقوله : ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ﴾ وحفّاظ التّوراة والإنجيل ﴿لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ﴾ وحججه التي أقامها على صدق نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وشرافة بيته ؟ ولأيّ سبب وداع تجحدونها بعد عرفانكم بها ، وعلمكم بصحّتها ، ووضوح صدق محمّد ، وشرف الكعبة
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٧ / ٤٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٤.
(٢) في تفسير أبي السعود : أهل الأديان كلهم.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٢.
(٤) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٢.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٢.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٢.
(٧) جوامع الجامع : ٦٤.