بدلالتها ؟ ﴿وَاللهُ﴾ العظيم الغالب الشّديد العقاب ﴿شَهِيدٌ﴾ ومطّلع ﴿عَلى ما تَعْمَلُونَ﴾ من القبائح ، وما يصدر منكم من جحود آياته ، ومعارضة رسوله ، فيجازيكم أسوأ الجزاء ، ويعذّبكم في الآخرة أشدّ العذاب. فاطّلاعه على أعمالكم ، والخوف من عقوبته على عصيانكم من أقوى الزّواجر وأتمّ الرّوادع عمّا تأتونه وترتكبونه.
﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ
شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد أمر نبيّه بتوبيخهم على كفرهم وضلالهم ، أمره بتوبيخهم على إضلالهم عباده المؤمنين ، وصدّهم عن سبيله ، بقوله : ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ﴾ ويا تلاة الصّحف والزّبر المنزلة وغيرها ، جزنا عن اللّوم على ضلالتكم ﴿لِمَ تَصُدُّونَ﴾ وتصرفون ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ ودينه الحقّ الموصل إلى السّعادة الأبديّة ؟ وتضلّون عنه بإلقاء الشّبهات والحيل والتسويلات ﴿مَنْ آمَنَ﴾ بالرّسول ودين الإسلام ، ولم تطلبون لتلك السّبيل و﴿تَبْغُونَها﴾ مع كمال استقامتها ، وكونها أقوم السّبل ﴿عِوَجاً﴾ وانحرافا عن القصد والاستقامة ، وتوهمون أن في تلك السّبيل ميلا عن الحقّ ، وتسعون في صرف النّاس عنها ؟ بسبب تغيير صفات النبيّ وعلائمه المذكورة في الكتب السّماويّة ، وإلقاء شبهة امتناع نسخ دين موسى أو عيسى في قلوب العوامّ ، وتقريب أفضليّة بيت المقدس من الكعبة في الأذهان.
﴿وَأَنْتُمْ شُهَداءُ﴾ قيل : إنّ المراد : والحال أنّ النّاس يستشهدونكم في القضايا والأمور العظام ، فشأنكم الصّدق وتأدية الحقّ ، لا تضييعه.
وقيل : إنّ المعنى : أنّكم شاهدون بأنّ دين الإسلام سبيل الحقّ لا تحوم حولها شانئة الإعوجاج ، وأنّ الصّدّ عنها إضلال عن نهج الحقّ والطريق المستقيم.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : أي أنتم شهداء على أنّ في التّوراة : أنّ دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام (١) .
فمن كان كذلك ، لا يليق به الإصرار على الكفر ، والسّعي في إضلال النّاس.
ثمّ أخذ سبحانه في تهديدهم بقوله : ﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من إضلال النّاس ، وإلقاء الشّبهات في قلوب المؤمنين ، وصدّهم عن سبيل الحقّ ، وكتمان الشّهادة بصفات النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قيل : لمّا كان كفرهم بآيات الله بطريق العلانية ، ختمت الآية السّابقة بشهادته تعالى على ما يعملون ، ولمّا كان صدّهم عن سبيل الله بطريق الخفية ، ختمت هذه الآية بما يقطع وسائل حيلهم ، عن علمه
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٥٨.