يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾(١) .
أقول : مآل جميع الرّوايات واحد.
ثمّ أنّه تعالى بعد أمره بالاجتماع على الحقّ ، نهى عن التفرّق عنه ، بقوله : ﴿وَلا تَفَرَّقُوا﴾ عن الحقّ كتفرّق أهل الكتاب ، ولا تختلفوا أنتم كما اختلفوا على مذاهب كثيرة.
روى الفخر الرازي في تفسيره : عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ستفترق (٢) أمّتي على نيّف وسبعين فرقة ، النّاجي منهم واحد ، والباقي في النّار » ، فقيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : « الجماعة » . وفي رواية : « السّواد الأعظم » . وفي أخرى : « ما أنا عليه وأصحابي » (٣) .
أقول : لا ريب أنّ ذيل الرّواية من المجعولات ، لوضوح مخالفة عليّ والمعصومين من ذرّيّته مع الجماعة ، وقد اتفّق الفريقان على رواية قوله صلىاللهعليهوآله : « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ » (٤) . وقوله : « إنّي تارك فيكم الثّقلين ؛ كتاب الله ، وعترتي ... » (٥) الخبر ، وقوله : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (٦) .
وقيل : إنّ المراد لا تفرّقوا كتفرّق أهل الجاهليّة ، يحارب بعضكم بعضا.
وقيل : أي لا تحدثوا ما يوجب الافتراق ، ويزيل الالفة التي أنتم عليها (٧) .
أقول : كنصب أبي بكر للخلافة ، حيث إنّه أحدث بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله خلافا وافتراقا عظيما بين الصّحابة ، ومن بعدهم إلى يوم القيامة ، مع أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أوصى باتّباع علي عليهالسلام وأهل بيته ، وجعلهم أحد الثّقلين ، وحبلا من حبلي الله الممدودين. ومن المسلّم بين الأمّة أنّ عليّا عليهالسلام أفضل عترته ، وأشرف أهل بيته.
ثمّ لمّا كان الاعتصام بحبل الله من مشاقّ الأعمال ، لتوقّفه على ترك الرّئاسات ، ومخالفة الأهوية (٨) والشّهوات ، بالغ سبحانه في التّرغيب إليه بتذكيرهم نعمه ، بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ﴾ التي أنعمها ﴿عَلَيْكُمْ﴾ ثم لمّا كانت نعمة الأمن والاتّحاد والائتلاف من أعظم النّعم ، خصّها بالتذكير بقوله : ﴿إِذْ كُنْتُمْ﴾ في زمان الجاهليّة والأعصار المتمادية ﴿أَعْداءً﴾ متباغضين ، يقتل بعضكم بعضا ، ويغير
__________________
(١) معاني الأخبار : ١٣٢ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٨ ، والآية من سورة الإسراء : ١٧ / ٩.
(٢) في النسخة : ستفرق.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٦٣.
(٤) تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ، ترجمة علي عليهالسلام من تاريخ دمشق ٣ : ١٥٣ / ١١٧٢.
(٥) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ ، مسند أحمد ٣ : ١٤ و١٧ و٤ : ٣٦٧ و٣٧١.
(٦) مستدرك الحاكم ٢ : ٣٤٣ و٣ : ١٥١ ، الخصائص الكبرى ٢ : ٤٦٦ ، الجامع الصغير ٢ : ٥٣٣.
(٧) تفسير أبي السعود ٢ : ٦٦.
(٨) كذا ، والظاهر الأهواء ؛ لأن الأهوية جمع هواء ، والأهواء جمع هوى ، ومراد المصنف الأخير.