﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ (٥٧)﴾
ثمّ أردف سبحانه التّهديد والوعيد بالوعد والتّرغيب، بقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ووحدانيّته، وعبوديّتك ورسالتك ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ التي يكون الالتزام بها من وظائف الإيمان، وداوموا على العبادات والطّاعات ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ الله، ويكمل لهم ﴿أُجُورَهُمْ﴾ وثواب إيمانهم وأعمالهم، من غير نقص ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ بل يبغضهم أشدّ البغض. وفيه بيان علّة تعذيبه الكافرين، وتوفيته ثواب المؤمنين.
﴿ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾
ثمّ استَدلّ سُبحانه على نُبًوّة خاتَم النّبِيّين بأنّ جميع هذه القضايا مِمّا لا يمكن اطّلاع محمّدصلىاللهعليهوآله عليها إلّا بالوَحي مِن الله، لا بالتّعلّم مِن عالِم، ولا بالقراءة في كِتابٍ، حيثً قال: ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من نَبأ عيسى بَدْواً وخَتْماَ ﴿نَتْلُوهُ﴾ ونقرأه ﴿عَلَيْكَ﴾ بالوَحْيِ، وبتوسَّط جَبْرَئيل، حال كَوْن المتْلُوّ ﴿مِنَ الآيَاتِ﴾ والأدلّة الدّالّة على صِحّة نُبُوّتك، مِن حيثُ إعجاز البَيان، وكَوْنه مِنَ الأخبار المغيبُّات، ﴿وَ﴾ مِن ﴿الذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ والقُرآن المحْكم المصون من تطرّق الخلل إليه ، أو المشتمل على الحكم البالغة في نظمه وتأليفه وكثرة علومه.
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٥٩) و (٦١)﴾
ثمّ أنّه نقل المفسّرون أنّ وفد نجران لمّا قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله: لمّا سلّمت أنّه لا أب لعيسى من البشر ، وجب أن يكون أبوه هو الله ، فنزل دفعا لهذه الشّبهة (١)﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى﴾ وشأنه البديع المنتظم لغرابته في سلك الأمثال ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي
تقديره وحكمه ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ ونحْو خلقته العجيبة التي لا يرتاب فيها مرتاب ، ولا ينازع فيها منازع.
__________________
(١) تفسير الرازي ٨: ٧٤.