وأوجب حبّهم وولايتهم - أولى من إرادة غيرهم ، مع أن قوله تعالى : ﴿أُخْرِجَتْ﴾ وأبرزت من كتم العدم ، نفعا ﴿لِلنَّاسِ﴾ قرينة ظاهرة على إرادة خصوص جماعة يكون وجودهم نافعا لعامّة الخلق ، ولطفا تامّا من الله تعالى بكافّة الأنام إلى يوم القيامة ، وليست إلّا الأئمّة الاثني عشر الّذين نعتقد بأنّهم أوصياء الرّسول ، وحجج الله على العباد.
وما رواه التّرمذي عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه أنّه سمع النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول في قوله تعالى : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ﴾ : « أنتم (١) تتمّون سبعين أمّة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله » (٢) فمحمول - على تقدير صحّتها - على كون هذه الامّة أكرم من حيث كرامة نبيّها ، وكمال دينها ، وأفضليّة أئمتّها. فلا ينافي كون كثير منهم أشقى الأمم.
ومن شواهد كون ( خير أمّة ) خصوص الهداة المهديّين : تعليله تعالى خيريّتهم بقوله : ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ فإنّه يخصّ الوصف بالّذين يكون همّهم في تربية الخلق وتكميل نفوسهم.
ثمّ بقوله : ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ إيمانا خالصا عن شوب الشّرك الجليّ والخفيّ والأخفى ، ومن المعلوم أنّه كما لا يكون إلّا للأوحدي من هذه الأمّة.
قيل : إنّ تأخير الإيمان بالله في الذّكر على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع تقدّمه عليهما في الوجود ، لكون دلالتهما على خيرهم ونفعهم للنّاس أظهر من دلالته عليه ، ولأن يقترن به قوله : ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ﴾ من اليهود والنّصارى بوحدانيّة الله ، ورسالة رسوله ، وبدين الإسلام ، عن صميم القلب ، كإيمانكم ﴿لَكانَ﴾ ذلك ﴿خَيْراً لَهُمْ﴾ وأنفع في الدّنيا والآخرة من الكفر والرّئاسات الباطلة والزّخارف الدّنيويّة ؛ حيث إنّ بالإيمان يجمع لهم حظوظ الدّارين.
ثمّ لمّا كان لفظ ( أهل الكتاب ) في القضيّة الشّرطية ظاهرا في عمومهم ، نصّ الله سبحانه بإيمان بعضهم بقوله : ﴿مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ كعبد الله بن سلام وأضرابه ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ﴾ المتمرّدون عن طاعة الله ، المصرّون على مخالفته ، الخارجون عن حدود دينه ، في اعتقادهم وعند أهل ملّتهم.
﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١)﴾
ثمّ لمّا كان توصيف الكافرين بالكثرة موهما لقوّتهم وغلبتهم ، بشّر الله المؤمنين اطمئنانا لقلوبهم بأنّهم ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ﴾ أبدا بوجه من الوجوه ، مع كثرتهم ﴿إِلَّا أَذىً﴾ قليلا ، وألما يسيرا ، لا عبرة به
__________________
(١) في المصدر : قال : إنكم.
(٢) سنن الترمذي ٥ : ٢٢٦ / ٣٠٠١.